“4 جرائم قتل وإعدام”.. كيف سقط سفاح الجيزة وسر مقبرة الضحايا؟ “القصة كاملة”
كتب- محمود الشوربجي:
تسبب مسلسل “سفاح الجيزة” المستوحى من أحداث حقيقية، في إثارة رواد مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، وذلك بعد عرض حلقتين من أحداث المسلسل.
بطل تلك الأحداث “سفاح الجيزة” هو قذافي فراج عبد العاطي عبد الغني، مواليد محافظة الجيزة، سقط بين أيدي الأجهزة الأمنية بعد 5 سنوات من جرائم إزهاق الروح والنصب والاحتيال، وكانت حصيلة تلك الجرائم 4 ضحايا.
وفي الدين فؤاد، محامي أسرة أحد الضحايا وهو المهندس “رضا” صديق المتهم، كشف في حديث سابق لـ”مصراوي” كواليس ارتكاب المتهم “قذافي” لجرائمه، وكيف وقع في قبضة الأمن بالإسكندرية بعد 5 سنوات من ارتكاب جرائم القتل في منطقة بولاق الدكرور والإسكندرية؟.
3 جرائم قتل في 4 أشهر.. “نادين” الأولى
بداية 2015 كان “قذافي فرج” في علاقة غير شرعية مع فتاة تدعى “نادين” التحقت بالعمل في مكتبة ملك له، وبعد فترة من علاقته معها، حاول إقامة علاقة مع شقيقتها وتقدم لخطبتها، لكن الضحية -نادين- رفضت محاولته وهددته بفضح أمره.
أيام معدودة وكان “قذافي” قد أعد العُدة لارتكاب جريمته الأولى في شهر مارس 2015، حينما استدرج الفتاة إلى محل سكنه لإنهاء سوء الخلاف معها، وما إن ظفر بها حتى وضع لها السُم داخل كوب عصير، ثم باغتها بضربات على رأسها حتى أنهى حياتها ودفنها داخل شقة بالدور الأرضي بحي بولاق الدكرور، بعدما أعد حفرة بإحدى الغرف لدفنها ثم أعاد الردم وتبليط الغرفة من جديد.
عقب ذلك، فبرك “قذافي” مراسلات بين الضحية وأحد الشباب، وأرسلها إلى أهلها لإقناعهم بأن “نادين” تعرفت على شباب يعمل بالخارج وسافرت معه للعمل بمجال التمثيل والسينما.
“رضا” صديق الطفولة والتخلص منه
تزامنًا مع ارتكاب الجريمة الأولى، كان “قذافي” على تواصل مع صديق طفولته المهندس “رضا” -يعمل بالسعودية رفقة اثنين من أشقائه-، والذي أقنعه المتهم قبل سنوات بضرورة استثمار أمواله في مجموعة مشروعات تحقق له ربحًا يؤمن له مستقبله. بالفعل اقتنع المهندس “رضا” وحرر توكيلًا لصديقه “قذافي” كي يستثمر له أمواله في عدد من المشروعات العقارية وسلسلة من المكتبات المدرسية.
استغل “قذافي” التوكيل المحرر له في التعامل مع البنوك والضرائب بشأن ممتلكات صديقه “رضا”، وبدأ المتهم في تزوير عقود ملكية العقارات والوحدات السكنية المملوكة لصديقه باسمه وبيعها لصالحه تمهيدًا للسفر وترك المنطقة بأكملها.
تدبير “قذافي” أفشله قرار “المهندس رضا” بالعودة إلى مصر في إجازة قصيرة دون زوجته أو أطفاله، كي يطمئن على أمواله وممتلكاته، وبمجرد أن رأى المتهم صديقه تفاجأ ولم يعرف كيف يتصرف في هذه الورطة، وأين هي المشروعات التي سيُريها إلى “رضا”؟!.
مباشرة لجأ “قذافي” إلى حيلته التي قضى من خلالها على ضحيته الأولى “نادين”، رتب موعدًا مع صديقه “رضا” كي يتناول معه الطعام ويُطلعه على كامل الأوراق والمستندات الخاصة باستثماراته، وبمجرد أن وصل الضحية حتى أحضر له كوب العصير ووجبة الغداء الممزوجة بالسُم القاتل، ثم توالى الضرب على رأسه كي يتخلص منه، وبالفعل أنهى حياته في أبريل عام 2015.
التخلص من الجثة كان أصعب من المرة الأولى، حيث اضطر “قذافي” لنقل جثمان صديقه في شنطة سفر كبيرة إلى العقار الذي خصصه لدفن ضحاياه، وبالفعل تمكن من إعداد حفرة على عمق مترين بالشقة المقابلة لمكان دفن الجثة الأولى بالدور الأرضي، وعقب دفنه ردم الغرفة وأعاد “تبيلط” المكان.
بعد تغيب “رضا” بدأ أصدقاؤه وأشقاؤه رحلة البحث عنه، لكن دون جدوى فلا أحد يُجيب على هاتفه ولا خيط رفيع يقودهم إلى مكان تواجده.
سيناريو خطير لجأ إليه “قذافي” لإبعاد الشُبهات عنه، والذي زاد الأمر سوءًا في رحلة البحث عن الضحية. أرسل “السفاح” رسالة نصية من هاتف “المهندس رضا” إلى أهله بأنه قد تم إلقاء القبض عليه في مظاهرة ولا يعلم مكان تواجده، لتبدأ رحلة البحث عن “رضا” داخل السجون وأقسام الشرطة بالمحافظات، وتم تحرير بلاغات اختفاء باسم الضحية لمحاولة التوصل إليه.
لم يتوقف “قذافي” عند ذلك بل استخدم أوراق الضحية واستخرج بطاقة جديدة وأوراقًا ثبوتية أخرى باسم “رضا”؛ لانتحال شخصيته في تعاملاته اللاحقة، وارتكاب جرائم أخرى باسم مُغاير للحقيقة.
التخلص من زوجته
زوجة المتهم لم تسلم منه هي الأخرى، فكانت هي الضحية الثالثة في أقل من 6 أشهر، حتى تم تداول أكثر من سيناريو لمقتلها، أحدها خاص باكتشاف زوجته فاطمة أوراقه الثبوتية المزورة باسم صديقه، وغيرها من البطاقات الشخصية المزورة، وحينما سألته عن الجرائم التي ارتكابها بهذه الأوراق وأنه وراء مقتل صديقه قرر التخلص منها في يونيو 2015.
أما السيناريو الآخر فيتعلق بتجميع الضحية أموالًا من جيرانها وتسليمها لزوجها كي يستثمرها مقابل أرباح متفق عليها ويتم إرسالها للعملاء بشكل دوري، لكن بعد فترة تواصل عدد من الجيران مع زوجة المتهم؛ لتحصيل أرباحهم، وحينما طالبت “قذافي” أكثر من مرة بالأموال قرر التخلص منها بنفس الطريقة التي تخلص بها من ضحاياه السابقين ودفنها في غرفة مجاورة لصديقه بداخل العقار، ولإبعاد الشبهة عنه أخبر أسرة زوجته بأنها سرقت أموالًا منه وهربت من المنزل.
ضحية الإسكندرية
بعد الجريمة الثالثة، قطع “قذافي” علاقته بمنطقة بولاق وانتقل إلى الإسكندرية ليبدأ حياة جديدة، فتح محل أدوات كهربائية هناك، لم تمر أشهر قليلة حتى تعرف على سيدة جاءت للعمل معه، وأقنعها أنه وقع بحبها ويريد الزواج منها، واستمر في إيهامها بذلك حتى حصل منها على 45 ألف جنيه قيمة بيع شقة قديمة كانت ملكها، وحينما شعرت بأنه نصب عليها طالبته برد أموالها، فأخبرها بأنه لا يمتلك أموالًا، وإذا رغبت في الحصول على مستحقاتها فبإمكانها الحصول على بضاعة تعادل قيمة مبلغها.
وافقت السيدة وحدد لها موعدًا للذهاب إلى مخزن بضاعته لرؤية ما ستحصل عليه، وما إن انفرد بها حتى باغتها بضربات أنهت حياتها ودفنها داخل المخزن.
النقاب يسقط “قذافي”
رحلة جديدة كان بطلها قذافي منتحلًا اسم “رضا” حينما قرر الزواج من سيدة، وقد تمت الزيجة وأنجب منها طفلا. واستمرت حياته مع زوجته حتى قرر سرقة شقة والدها، ولجأ إلى ارتداء “النقاب” أسوة بشقيقة زوجته، كي لا يشك به أحد أثناء دخول الشقة، وبالفعل نجحت خطته وتمكن من سرقة كميات من الذهب والأموال قدرت بنحو 750 ألف جنيه.
لم يتردد والد زوجته في تحرير محضر سرقة، وفرغت الأجهزة الأمنية محتوى مجموعة من الكاميرات؛ لتتبع مرتكب الواقعة، وتبين دخول “مُنتقبة” إلى العقار، وخرجت بعد وقت قليل حاملة حقيبة سوداء بداخلها المسروقات، ومع استمرار تفريغ كاميرات المراقبة الموجودة بمحيط العقار، تبين دخول “المُنتقبة” إلى عمارة سكنية مجاورة وبعد أقل من ساعة خرج “قذافي” وبيده الحقيبة، وبإلقاء القبض عليه اعترف بارتكابه جريمة السرقة وتخفيه في النقاب كي لا يكتشفه أحد.
أُحيل مرتكب واقعة السرقة إلى المُحاكمة، باسم “رضا محمد عبداللطيف” -الاسم الذي عُرف به قذافي في الإسكندرية- وصدر ضده حكم بالسجن عامًا، وفي إحدى جلسات المحاكمة حاول الهرب، لكن باءت محاولته بالفشل وصدر ضده حكم جديد بالسجن 3 أشهر.
وقبل حبسه كان “قذافي” تعرف على طبيبة صيدلانية تدعى “مي” تزوجها لمدة 9 أشهر، وخلال قضائه فترة العقوبة كان يهاتفها ويخبرها بأنه سيعود إليها قريبًا.
البحث عن رضا والسفاح
منذ اختفاء المهندس “رضا” في 2015 لم يتوقف أشقاؤه عن البحث عنه في جميع أقسام ومراكز الشرطة وكذلك المستشفيات، حتى أن إحدى شقيقاته التي تقيم بمحافظة بني سويف ذهبت لمناظرة بعض الجثث التي ظنوا أنها قد تكون لشقيقها “رضا” لكن دون فائدة، وأثناء عودة شقيقة الضحية إلى منزل العائلة ببولاق للاستراحة اكتشفت أن أحد الأهالي يُقيم بشقة كانت مملوكة إلى شقيقها، وبسؤاله عن سبب تواجده بها، أخبرها أنه اشترى الشقة من “قذافي”، وخلال هذا التوقيت كان “قذافي” قد أخبر شقيق “رضا” بأنه تم القبض عليه من قبل قوات الأمن، وهنا كانت المفاجأة بالنسبة لأهل الضحية، الذين تيقنوا بأن هناك ثمة علاقة تربط بين قذافي واختفاء رضا، فبدأت الأنظار تتجه نحو “سفاح الجيزة”.
عمليات البحث بدأت تعود وبكثافة عن كل من رضا وقذافي، وأثناء البحث بأقسام الشرطة والسيستم الخاص بوزارة الداخلية تم العثور نهاية 2019 على محضر سرقة باسم “رضا محمد عبداللطيف” بقسم سيدي جابر بالإسكندرية.
في هذا التوقيت ذهب أحد المحامين إلى الإسكندرية للاطلاع على المحضر والتعرف على تفاصيل الواقعة في محاولة لإيجاد “رضا”، وبتصوير أوراق القضية تم العثور على مستندات وشهادة ميلاد خاصة بالمهندس “رضا”، وبالتواصل مع زوجة المتهم ووالدها مقدم محضر السرقة، تم الحصول على كافة التفاصيل الخاصة بـ”قذافي” -معروف لديهم باسم رضا- وخلال هذا التوقيت كان قذافي داخل السجن يقضي عقوبة السرقة.
اتهامات بالقتل
واصل “وفي الدين فؤاد” محامي أسرة المهندس “رضا” كشف التفاصيل موضحًا أنهم تقدموا بطلبات إلى النيابة في الإسكندرية تتضمن اتهامات إلى “قذافي” بقتل كل من زوجته “فاطمة” و”المهندس رضا” و”نادين”، وأنه الموجود داخل السجن يدعى “قذافي” وليس “رضا”، لكن النيابة رفضت ذلك، وطالبت بتقديم بلاغات في القسم التابع له مكان ارتكاب جرائم الاختفاء والقتل.
خطوة تالية تم اتخاذها بمخاطبة قطاع السجون لنقل المتهم إلى الجيزة وبالفعل تم نقله باسم “رضا”، وحينما واجهه وكيل النيابة أكد له أنه “رضا محمد عبداللطيف”، فطالب بإجراء تحليل DNA له، فرفض واعترف أنه “قذافي”، وأنه سرق أموال “رضا” لكن ليس لديه أي معلومات عن مكان اختفائه، وأنكر اتهامه بالقتل.
ضغوطات واعترافات
ضغوطات تعرض لها “قذافي” منذ معرفة حقيقته وحتى اعترافه بارتكاب واقعة قتل “زوجته فاطمة”، ودفنها داخل العقار الذي اتخذه مقبرة لدفن ضحاياه.
مع استمرار التضييق عليه اعترف “سفاح الجيزة” صباح اليوم التالي، بأنه وراء مقتل صديقه “رضا” وأنه تعمد تضليل أسرته في رحلة البحث عنه؛ لإبعاد شبهات اتهامه بقتل “رضا”، ثم توالت اعترافاته بقتل “نادين”، وسيدة رابعة بالإسكندرية.
استخراج الجثث
بعد اعتراف المتهم بمكان دفن ضحاياه، تمكنت قوات الأمن من استخراج هيكل عظمي خاص بـ”نادين”، حيث عثرت الشرطة على بقايا الجثة داخل حفرة على عمق مترين، وملابسها عبارة عن “بنطال – تي شيرت” ملفوفة داخل ملاءة، وتسلمت مشرحة زينهم، رفات الضحية لإجراء تحليل الحمض النووي وأخذ عينات من الرفات.
وتوالت عقب ذلك عمليات استخراج باقي رفات الضحايا وأخذ عينات منهما لعمل البصمة الوراثية والوقوف على سبب الوفاة بدقة.
مناظرة الجثث
وكشف “وفي الدين فؤاد” المحامي، أن المناظرة الأولية للجثث، أوضحت تعرضهم لارتطامات عنيفة بالرأس عقب تناولهم مادة سامة، أما بالنسبة لجثة زوجته فتعرضت لارتطامات عنيفة في حائط الشقة ما تسبب في حدوث كسر بالجمجمة.
حكم بالإعدام
وخلال عام ونصف من بدء جلسات محاكمة قذافي فراج المعروفة بـ”سفاح الجيزة”، في اتهامه بارتكاب 4 جرائم قتل، صدر ضده 4 أحكام بالإعدام بخلاف حكم خامس بالمشدد في اتهامه بتزوير محررات رسمية.
الحكم الصادر ضد سفاح الجيزة في واقعة قتل صديقه المهندس رضا عبد اللطيف والصادر في 24 مارس 2012 أصبح حكما نهائيا بعد تأييد محكمة النقض الحكم.
كما صدر في 5 أبريل من عام 2021، حكما بالإعدام، صدر من محكمة جنايات الإسكندرية، في اتهامه بقتل المجني عليها “ياسمين” وهي فتاة تعرف عليها بمنطقة العصافرة في الإسكندرية، واستولى منها على مبلغ مالي وقتلها عند مطالبتها بأموالها.