منوعات

هذه الكذبة الكبيرة

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن مبادرة من ثلاث مراحل لوقف الحرب على قطاع غزة، وهي الحرب التي ستدخل شهرها التاسع في السابع من هذا الشهر، إذا لم تجد المبادرة صداها الإيجابي لدى الطرفين المتقاتلين في القطاع.

أول مرحلة من مراحل المبادرة هي وقف القتال، والثانية تبادل السجناء والرهائن بين الطرفين، وأما الثالثة فهي البدء في إعمار غزة التي صارت أكواماً من التراب.

وقد تباينت ردود الفعل على الجانبين من المبادرة بمجرد الإعلان عنها.. فحركة حماس مثلاً وصفت المبادرة بأنها إيجابية، ونقلت وكالة رويترز في المقابل عن مكتب بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، أنه يقبل بالمبادرة.. ولكن وسائل إعلام أخرى قالت نقلاً عن نتنياهو أنه سيواصل الحرب حتى القضاء على حماس.

من ناحيتي أميل الى أن ما قيل في وسائل الإعلام عن عزم رئيس وزراء اسرائيل مواصلة الحرب، يظل هو الأقرب إلى الصحة أو إلى الواقع إذا شئنا الدقة.. فمنذ إعلان الحرب على القطاع، ولا شيء يقوله نتنياهو سوى مواصلة الحرب حتى القضاء على حماس، وهو لا يتوقف عن ترديد ذلك وتكراره، رغم أنه على يقين من أن حكاية القضاء عليها قضية صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة.

وسبب استحالتها أن حماس تحولت إلى رمز لمقاومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وبرغم كل ما يمكن أن يقال عنها من ملاحظات سياسية.. ولذلك، فالقضاء عليها له طريق واحد تقريباً هو إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية.

هذا هو سبيل اختفائها وانتهائها بشكلها الحالي، لأنها ربما تتحول عندئذ الى حزب سياسي ينافس على السلطة.. تلك هي الحقيقة الأدنى لواقع الحال، وكل ما عدا ذلك هو كلام لن يؤدي الى شيء، ولن يقود الإسرائيليين إلا الى سراب.. قد لا يكون للحركة وجود في مرحلة ما بعد الحرب على مستوى الوجود في السلطة، ولكن وجودها كتنظيم أو كحركة سيبقى قائماً الى أن تقوم الدولة.

وإذا هرب نتنياهو من المبادرة الأمريكية فسوف لا يكون هروبه منها غريباً عليه ولا جديداً، لأن هذا هو نهجه منذ بدأت الحرب، ولأنه يخوضها ليس رغبةً في القضاء على حماس كما يقول، ولا حتى رغبةً في إعادة رهائنه لدى حماس كما قد نتصور، ولا لأي سبب آخر من الأسباب المعلنة.. هو يخوضها على سبيل الهروب الى الأمام كما يقال، ولسبب خفي لا يعلنه، ولكنه سبب يستطيع كل متابع أن يخمنه ويستشفه.

السبب أنه يعرف ما ينتظره بمجرد وقف الوقف، ويعرف أن المساءلة على أربع قضايا فساد سابقة على الحرب تنتظره، ثم تنتظره المحاسبة على تقصيره وتقصير حكومته في وقوع هجوم السابع من أكتوبر الذي قاد إلى الحرب.

هذه قضايا سوف يكون عليه أن يذهب فيها إلى العدالة، وإذا فاته أن يدان في قضايا الفساد، فسوف يجد الإدانة السياسية تنتظره في قضية الهجوم بالتأكيد.

حديث رئيس وزراء إسرائيل عن مواصلة الحرب حتى القضاء على حماس أقرب ما يكون الى الكذبة الكبيرة، لأن ما يهمه في هذه المرحلة ليس انقاذ رهائنه، ولا حتى انقاذ اسرائيل مما لطخ سمعتها في كل مكان، ولكن انقاذ رقبته مما يعرفه ويتوقعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى