هذه الحقيقة المُرة
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
استيقظ العالم في منتصف هذا الشهر على قتال عنيف بين طرفين عسكريين في العاصمة الليبية طرابلس ، وقد قيل أن طرفاً منهما يتبع وزارة الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، ويتخذ من طرابلس مقراً لها، بينما الطرف الثاني يتبع المجلس الرئاسي الذي يرأسه محمد المنفى.
دام الاقتتال بينهما يومين ، وسقط فيه عشرات من القتلى والجرحى، وقال الإتحاد الأوربي إن ما جرى يدل على هشاشة الوضع الأمني في البلاد .
وقد بدا الاقتتال بين الطرفين في حد ذاته خبراً محزناً ، وهو محزن لأن ليبيا لا ينقصها الانقسام ، ولأنها منقسمة أصلاً بين حكومة الدبيبة في الغرب ، وبين حكومة أخرى في الشرق تقول إنها الحكومة الشرعية المعترف بها لأنها جاءت بمباركة من البرلمان المنتخب .
وحقيقة الأمر أنه لن يفيدنا في شيء أن نعرف مَنْ بالضبط كان يقاتل مَنْ في طرابلس على مدى اليومين ، لأن ما يهمنا هو النتيجة النهائية التي تقول إن ليبيين كانوا يقاتلون ليبيين .. هذه هي الحقيقة المُرة .. ولسنا في حاجة بعدها لأي تفاصيل .
وإذا أنت ذهبت إلى اليمن فسوف تجد أن الجماعة الحوثية تقاتل الحكومة الشرعية المعترف بها من العالم ، ومن غالبية اليمنيين ، ولكن الحقيقة المُرة كذلك أن يمنيين يقاتلون يمنيين ، ولسنا في هذه الحالة اليمنية التعيسة في حاجة إلى تفاصيل أكثر ، وإلا ، فما جدوى أي تفاصيل إذا كان القاتل يمنياً والمقتول أيضاً ؟
فإذا جربت أن تذهب الى السودان اكتشفت أن قوات الدعم السريع تقاتل الجيش الوطني ، ولكن الحقيقة المُرة للمرة الثالثة أن سودانيين يقاتلون سودانيين ، ولا حاجة لنا إلى تفاصيل بعد ذلك لأنها لا تفيد في شيء .
ثلاث عواصم عربية يتقاتل فيها أبناء البلد الواحد ، ويريد كل طرف من الطرفين المتقاتلين في كل عاصمة من العواصم الثلاث أن ينفرد بالسلطة ، ولا وجود عنده تقريباً لصالح عام ولا لمصلحة عامة في البلد .
وعندما تكلم عبد الفتاح البرهان ، قائد الجيش السوداني ، عن أن السودان يتعرض لأكبر مؤامرة في تاريخه كان كلامه صحيحاً ، وكان بالطبع يعني وجود مؤامرة خارجية ، ولكن ما لم يقله أن التآمر الخارجي لا يمكن أن ينجح ، ولا يمكن أن يكون له وجود ، فضلاً عن أن يفلح في تحقيق أهدافه ، ما لم يصادف أجواءً داخلية تساعده وتسعفه .
إذا سمعت أحداً يتكلم عن مؤامرة على أي بلد عربي فاعلم أن حديثه صحيح ، ولكن الأصح أن مثل هذه المؤامرة لا يمكن أن تصل إلى غايتها، ما لم تجد أرضاً خصبة في الداخل تتغذى عليها وتتحرك من فوقها .
ولا رهان في وضع حد لهذا العبث في الدول العربية الثلاث ، وربما في دول أخرى غيرها ، إلا على وعي المواطن نفسه ، لأن غياب هذا الوعي يظل مقدمة لأي شيء ، ويظل وقوداً لكل ما ينال من أي بلد .