منوعات

مهند البكري.. كيف أقنع الحكومة بأن السينما اقتصاد وسياحة، ورفع عنها الضرائب؟

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

إنسان متواضع، خلوق، يُنصت لآراء الآخرين باهتمام، يرحب بهم، وحين يتحدث تجده إنساناً مهموماً بالسينما ومشاكلها، مؤمناً بدورها الخلَّاق، باحثاً بأسلوب علمي وتفكير عملي، عن كيفية تطوير تلك الصناعة المهمة، التي نجحت في جذب مزيد من تسليط الضوء العالمي على الأردن. يؤمن بأن اقتصاد السينما له مردود ثمين، ولا يقل عن أي من قطاعات الاقتصاد الأخرى، لذلك لا يكف عن مساندة صُناع الأفلام وبناء كوادر قادرة على التنافس على المستوى العالمي في كافة عناصر الفيلم. كان ذلك واضحاً منذ عدة سنوات بإحضار الخبراء الأجانب لمساعدتهم وتدريبهم وإكسابهم الخبرات، وفي ذات الوقت أخذ يُكرس كل فرصة لتشجيع الشراكات الأردنية على المستوى الدولي وكذلك العربي، مثلما لم يكف عن إقناع المسئولين بمنح هذه الصناعة مزيداً من الدعم والرعاية، وتخفيف الضرائب المفروضة عليها، مقدما حججاً مقنعة مدعومة بالدراسات والأرقام. والحقيقة أن تجربة بلاده في هذا المجال تستحق أن يتأملها المسؤولون المصريون طويلاً، ويسعون لمحاكاتها، لأنها نموذج ناجح وعملي وجاذب للسياحة والاستثمار في مجال السينما.

أتحدث عن مهند البكري، مدير الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الذي التقيته في الدورة الأخيرة – الثالثة عشرة – من مهرجان مالمو للسينما العربية المنعقد بالفترة الممتدة بين ٢٨ أبريل – ٤ مايو الجاري. حيث كانت الأردن تشارك بمشروع على مدار عامين تم خلالهما إنتاج عدة أفلام قصيرة بمساندة التمويل السويدي. ففي العام الماضي تم عرض ما لا يقل عن خمسة أفلام روائية قصيرة، بينما خُصصت هذه الدورة للأفلام الوثائقية القصيرة، ضمن برنامج للدعم يخص الشرق الأوسط بعنوان «الأصوات غير المسموعة». كانت جميعها عن قضايا تخص المرأة، لمخرجين ليسوا من العاصمة، وإنما من مناطق نائية، لم تُسمع أصواتهم من قبل، وتضمن البرنامج محاضرات بحضور مشرفين ومراقبين. بادرته بسؤالي:

في السنوات الأخيرة أصبح للهيئة الملكية الأردنية للأفلام دور قوي في دعم الفيلم المستقل في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، ربما يكون مهرجان دبي هو الوحيد الذي كان منافسا للهيئة الأردنية للأفلام، مع ذلك كانت الأردن تقدم دعماً لأفلام عديدة عرضت فيه قبل أن يتوقف.. فهل تخبرني عن السبب وراء رفع حصة الدعم مؤخراً؟

مهند: بلد مثل الأردن إمكانياته قليلة، وموارده المالية شحيحة كذلك. كان هناك صندوق لدعم الأفلام ثم توقف لأننا بسبب شُح الإمكانيات المالية فقد كنا نتحصل على الدعم من الحكومة. لكن، هذا لا يعني أن هذا القرار كان صائباً ١٠٠٪. فقد كانت الأفلام الأردنية – التي خرجت بفضل الدعم – كانت على الأقل تصل لمهرجانات عالمية، إذ كان صوت الأردن أو القصة الأردنية موجودة في هذا الحيز العالمي من المهرجانات. من هنا، فكرنا أنه لابد من إعادة الدعم، لابد أن نتعامل معه على أنه أولوية، هذا ما نُركز عليه الآن. فالأردن حينما ننظر إليها صارت من أهم الدول العربية التي تستقطب الإنتاجات الأجنبية، وتهتم بالدول الأجنبية التي ترغب في التصوير في الأردن، فهذا يُلعب دوراً على مستوى الاقتصاد والسياحة، فمثلا حينما نتحدث عن إنتاج فيلم هوليوودي ضخم مثل «علاء الدين» من إنتاج ديزني وبطولة ويل سميث.

كم أنفق هذا الفيلم في الأردن؟

مهند: أنفق ما بين عشرة وخمسة عشر مليون دينار، فقد كان يوظف ما بين 600 و 700 شخص من الأردنيين. هذا يعد اقتصادا، لأنه يتحول إلى أموال، وإلى دخل. من هنا حينما نتحدث مع الحكومة نقول إن الفيلم ليس ترفيهاً أو تسلية وفقط، لكنه أيضا يُشكل جزءاً مهماً من اقتصاد البلد، والحمد لله استطعنا أن نُزيد الدعم، ونكبر به، وبالبرامج المختلفة فيه، مثل البرامج الإقليمية التجريبية المتخصصة في المسلسلات، وبرنامج «راوي» الذي صار له 18 عاما، وهو من أهم البرامج لتطوير السيناريوهات للكتاب العرب أينما كانوا، ثم أصبحنا نتطلع أن تكون للأردن حوافز مالية.

وضعتم حوافز مالية للأفلام التي تقوم بالتصوير في الأردن، سواء للأفلام الأردنية والعربية والدولية.. فهل هناك مساواة بين الفئات الثلاثة، أم أن هناك بعض التمييز للأردني، يليه العربي؟

مهند: يعتمد الأمر على حسب كل حالة، وميزانية الفيلم، فمثلا الفيلم الأردني حتى يتأهل للحصول على الحوافز المالية لابد أن ينفق 250,000 دينار، الفيلم العربي حتى يتأهل لهذه الحوافز لابد أن ينفق ما بين 300 ألف و400,000 دينار أردني، أما الفيلم الأجنبي فلابد أن يصرف ما لا يقل عن 1,000,000 دولار (مليون دولار). فنحن لا نركز فقط على الفيلم الأجنبي الذي يريد التصوير في الأردن، لكننا أيضا نبحث عن شراكات عربية في الإنتاج، لأنه الفيلم الذي ينجح في النهاية أن يكون ممثلاً لنا ولهويتنا العربية هو ذلك الفيلم يخرج في إطار إنتاج عربي عربي مشترك، وهذا ليس منتشرا ولم يتواجد بشكل تأسيسي جيد في الوطن العربي للآن.

أتفق معك فمن خلال دراستي «أفلام الإنتاج المشترك في السينما المصرية» وجدت أن الشراكة العربية الأوروبية، خصوصاً مع فرنسا، هى الأكثر والأعمق والأهم حتى الآن، مثلما كانت نافذة للفيلم العربي على المهرجانات الدولية، خصوصا في التسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة، بينما الشراكة العربية العربية ظلت محدودة، وكانت تقتصر على تجارب مصرية لبنانية ذات مستوى ضعيف في السبعينيات، ثم تجارب تُعد على أصابع اليد الواحد بين مصر والمغرب، أو مصر والجزائر.. فالحقيقة أُحييكم على هذا التفكير نحو الشراكة العربية العربية.. والآن بعد أن قمتم برفع الدعم مؤخرا.. ما هى نسبة ما يستعيده المُنتج اذا قام بالتصوير في الأردن؟

مهند: إذا أنفق المنتج الأجنبي ما بين 1,000,000 إلى 3,000,000 يستعيد 10%، أما إذا أنفق حتى سبعة ملايين دولار فسيعود له 25% مما أنفقه. بالإضافة إلى أنه؛ أي مشروع، سواء كان أردني أو عربي أو أجنبي تُرفع عنه الضرائب، فالضرائب جزئية مهمة جدا، وهذا يتم مباشرة من الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، لأن قانون الهيئة يعفي المنتجين من الضرائب، وأيضا من خلال هذا القانون يمكن أن يعفي المنتجين من الجمارك، خصوصا إذا أحضروا معهم معدات وأجهزة غير موجودة في الأردن، ففي هذه الحالة يستطيعون إدخالها وإخراجها بدون أي جمارك.

لكن، أليس ذلك مشروطاً بوجود شراكة بين الأردن والدولة العربية المنتجة حتى يتم الإعفاء من الجمارك؟

مهند: نعم، باستثناء الفيلم الأجنبي، لأنه يصرف بالأردن مبلغا كبيرا بالفعل، فلا يشترط أن تكون هناك شراكة فهو ينفق ما لا يقل عن مليون دولار، لكن الخطوة الكبيرة التي نشتغل عليها هي الدعم، الذي كان قليلا، ثم اختفى في مرحلة ما، ثم أعدناه، فاليوم أصبح هناك إيمان من الحكومة بأهمية الاستثمار في المحتوى الأردني السينمائي، ودائما نتطلع إلى النموذج المصري، لأن المحتوى الأردني كان منذ بدايته يهتم بالمسلسلات التلفزيونية، تحديدا المحتوى البدوي، وقليل من الكوميديا ثم صارت هناك فجوة كبيرة. هذا العام عاد الدعم بشكل مُضاعف، ويُقدم في ثلاث مراحل؛ للتطوير، والإنتاج، وما بعد الإنتاج، مثلا لو كنا نقدم للإنتاج 50,000 دينار الآن صارت 100,000 دينار. كذلك، مع حالات الإنتاج المشترك العربي كنا نشترط أن يكون التصوير في الأردن، وأن ينفق ما نسبته تقريباً 70% حتى يحصل على هذا الدعم، الآن اختفى هذا الشرط وأصبحت لديهم الحرية في التصوير في أي مكان يريدون.

لكن في النهاية أنت في الأردن لديك مناطق شبيهة بأكثر المناطق والأجواء في الدول العربية، فأعتقد أنه مع الامتيازات التي يقدمها الأردن الآن، إضافة لميزة الإعفاء من الضرائب والجمارك أيضا، وكذلك استعادة حصة من الأموال التي تم إنفاقها، فكل هذه الأشياء تُغري المنتج بأن يبقى في الأردن ويقوم بالتصوير فيه، ويبحث عن أماكن شبيهة تحقق له المصداقية الجغرافية.. فأنت الآن لا تُرغمه، بينما تقدم له امتيازات جاذبة بقوة.

مهند: صحيح مئة بالمئة، ونحاول أن نشتغل عليه بمزيد من الأفكار. كذلك، لو فكرنا في أن مشروع الفيلم منذ بداية التطوير وحتى الانتهاء من الإنتاج مروراً بكتابة الإسكريبت قد يستغرق نحو أربع سنوات، بينما عندما نقوم بعمل إنتاج عربي عربي فنحن نختصر الوقت ونختصر الجهود، ونتيح فرصة أكبر للتوزيع والجمهور.

أريد العودة إلى جزئية مهمة، في تقديري، كيف تمكنت من إقناع الحكومة بأنك حينما ترفع الضرائب عن المنتجين فإنك في الوقت ذاته تستطيع تحقيق اقتصاد للبلد؟ كيف استطعت أن تقنعهم أن البلد لن يخسر إذا قدم ميزة الإعفاء الضريبي؟

مهند: سأحكي لك كيف سرنا في هذه الخطوة؛ نحن بدأنا مع الأفلام الأجنبية التي تأتي للتصوير في الأردن. وحتى نستطيع أن نأخذ موافقة من الحكومة، والأموال التي نحصل عليها من الحكومة لأجل تحقيق حوافز مالية قمنا بإجراء دراسة تبحث عن قيمة أو تأثير الدينار الواحد أو الدولار الواحد الذي تقدمه الحكومة؟ بحثنا عن قيمة العائد منه؟ فاكتشفنا من خلال الدراسة أن الدينار الذي يُقدم من خزينة الدولة، أي الذي تنفقه الحكومة يعود إلى خزينة الدولة ثلاثة دينارات ونصف تقريبا.

كيف يحدث ذلك؟

مهند: لأنه في صناعة الأفلام نحن نتحدث عن حركة اتصال ومشاريع كبيرة تذهب إلى أكثر من 36 قطاع بشكل مباشر، منها: الفنادق، الخدمات والطيران، والمواصلات، بالإضافة إلى الأجور التي يتم دفعها للعمالة الأردنية والفنانين أو الفنيين الأردنيين. هذا أيضا يتم لأنه لدينا درجة من الأطقم الفنية على مستوى ممتاز، لذلك فعادة الأفلام التي تأتي للتصوير في الأردن تأتي بطاقم صغير وتستفيد من الفنيين والفنانين في الأردن. لأنهم في نفس الوقت يوفرون من إنفاق أموالهم على الطيران وإقامة طاقم فني كبير في الفنادق. على صعيد آخر، فإن الفنيين والفنانين الأردنيين الذين يعملون في هذه المشاريع الإنتاجية الدولية هم أيضا يدفعون ضرائب. هنا أتحدث عن 138 مهنة؛ بدءاً من النجار وصولاً إلى المخرج أو المخرج المساعد. أُضيف لذلك، أن أغلب العاملين في هذا المجال ليسوا موظفين ولكنهم مستقلون، لذلك فالأجور التي يحصلون عليه عادة تكون ثلاثة أضعاف الموظف الذي ينتمي إلى شركة أو مؤسسة، بالتالي تكون نسبة الضرائب أعلى.

ولازال للحوار بقية، في الجزء الثاني، للكشف عن عوائد هذا التفكير العلمي والعملي الذي يحترم السينما، يُقدرها، ويؤمن بدورها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى