منوعات

مخطط بريطاني قبل إنشاء إسرائيل.. وثيقة تكشف بديلاً لقناة السويس واقتطاع رفح والعريش من مصر

لندن – (بي بي سي)

كشفت وثائق عن أن بريطانيا درست، قبل 82 عاما، إنشاء “منطقة تنمية عملاقة” تمتد من جنوب مدينة العقبة الأردنية حتى مدينة غزة، وتشمل مدينتي رفح والعريش في شمال شبه جزيرة سيناء المصرية.

وتقول الوثائق، وهي الأولى من نوعها، إن رجل أعمال أمريكيا يهوديا صهيونيا من أصل روسي اقترح المشروع على الحكومة البريطانية بقيادة ونستون تشرشل، قبل إعلان قيام إسرائيل في فلسطين بخمس سنوات.

وتضمن المشروع حفر قناة بديلة لقناة السويس تنهي اعتماد بريطانيا على القناة المصرية في حركة النقل وخدمة المصالح البريطانية في الشرق الأوسط.

في عام 1942، أرسل المهندس المعماري ورجل الأعمال ويليام إل غوردن، مالك شركة ويليام إل غوردن وشركائه للمقاولات والأشغال العامة، ومقرها مدينة نيويورك الأمريكية، مشروعه المقترح إلى مكتب تشرشل.

وجاء ذلك بعد 25 عاما من صدور إعلان بلفور، الذي وعدت فيه بريطانيا اليهود بإنشاء وطن لهم في فلسطين، التي كانت تحت الانتداب البريطاني، وكانت بريطانيا تحتل مصر.

تفاصيل المشروع

كان محور المشروع، الذي وصفه غوردن بالعملاق، هو إنشاء قناة تمتد من العقبة إلى غزة في فلسطين. ولذا، فقد سمى المشروع “قناة العقبة”. وتضمن:

أولا: قناة تبدأ من جنوب العقبة، ببضعة كيلومترات، على البحر الأحمر، ما يعني اقتطاع جزء من شرقي شبه جزيرة سيناء، وتنتهي إلى غزة على البحر المتوسط. وتكون القناة العمود الفقري لخطة لـ “تنمية منطقة القناة” الجديدة. ويبلغ طول القناة 177 كيلومترا، وعرضها 500 قدم، وعمقها 50 قدما. ويستغرق حفرها 3 سنوات.

توقع غوردن أنه بهذه المواصفات، ستكون “قناة العقبة فريدة من نوعها” لأنها ستكون “أطول وأوسع وأعمق من أي قناة حالية مثل قناتي السويس وبنما”.

وأكد أنها “تتفادى عيوب قناة السويس”.

ثانيا: منطقة تنمية شرقي القناة، وتقع في داخل أراضي فلسطين التاريخية. وهي قطاع من الأرض عرضه نحو 8.5 كيلومتر، وطوله 177 كيلومترا، بطول القناة المقترحة. وستكون كل بوصة “منتجة”، تأخذ شكل “قرية زراعية”، أو “بلدة للمشاريع والأعمال”، أو “منفذ للمنتجات الزراعية”، أو “مدينة كبيرة للصناعة والتجارة”.

ثالثا: منطقة تنمية غربي القناة تتسع لتشمل جزءًا من شمال وشمال غربي سيناء. ووفق خرائط غوردن المقترحة، فإنها تمتد في داخل حدود سيناء على البحر المتوسط لتشمل رفح المصرية والعريش.

رابعا: خط سكة حديد ذو اتجاهين يحتضنان ضفتي القناة الجديدة.

خامسا: خط سكة حديد ثانٍ يبدأ من منتصف القناة الجديدة إلى نقطة الحدود المصرية التي اقترح غوردن أن تكون ما بعد رفح حتى العريش.

سادسا: طريق أسمنتي وسط المنطقة الغربية، وفي منتصفها، يتفرع إلى فرعين الأول يتجه إلى غزة، والثاني إلى العريش.

وأطلق رجل الأعمال الأمريكي على بعض المدن الكبيرة التي سوف تنشأ في منطقتي القناة الجديدة أسماء مثل غزة الجديدة، بئر السبع الجديدة، العقبة، وينستون (رئيس الوزراء البريطاني) وفرانكلين (الرئيس الأمريكي فرانكلين رزوفلت).

ووفق هذا التصور، فإنه “في خلال 20 عاما من إنشائها، ستصبح منطقة التنمية خلية نحل الشرق الأردني في الصناعة والتجارة” و”تربط أفريقيا والهند وأوروبا وآسيا”.

مبررات المشروع

وقت طرح الفكرة، كان قد مر على اعتراف بريطانيا باستقلال مصر نحو 20 عاما بإصدارها تصريح 28 فبراير 1922. ورغم هذا الاعتراف، احتفظت بريطانيا بسلطات تأمين المواصلات البريطانية في مصر، والدفاع عن البلاد ضد أي اعتداء، وحماية الأقليات، وحماية المصالح الأجنبية على الأراضي المصرية.

تنبأ رجل الأعمال الأمريكي بأن يصر المصريون على استعادة قناة السويس، أحد أهم طرق مواصلات الإمبراطورية البريطانية الحيوية. ونصح الحكومة البريطانية بالتفكير في يوم 17 نوفمبر عام 1968، موعد انقضاء اتفاق فيردناند ديليسبس مع الحكومة المصرية.

وأضاف أن مصر”تنتظر بفارغ صبر هذا الانقضاء. وفي ذهن كل مصري، فإن إنجلترا سوف تسلم مصر كل شيء، قناة السويس بكل المعدات والتجارة، وفقا لاتفاق الامتياز بينها وبين السيد ديليسبس حسب نص اتفاق حق الانتفاع الأصلي، دون مراعاة مئات ملايين الدولارات التي استثمرتها بريطانيا العظمى وتواصل استثمارها من عام لآخر”.

وعبر غوردن عن اعتقاده بأن مصر “الآن قوية سياسيا، ودائما ما سببت مشكلة لإنجلترا، وسوف تواصل ذلك بعد التوصل إلى سلام” بعد الحرب العالمية الثانية. ونبه إلى أن مصر “تطمح إلى أن تنمو قوتها، وهي تتمتع بقدرة بحرية تجارية معقولة مبشرة”.

ولهذا اعتبر أن مشروعه سيتيح لبريطانيا تحويل تجارتها من السويس إلى “قناة العقبة-غزة”. واعتبر أن قناته المقترحة “ستكون ملكية خالصة لبريطانيا العظمى وحكومة الولايات المتحدة”.

كيف يُنفذ المشروع قانونيا؟

أولا: بيع الأرض بشكل كامل ومطلق.

ثانيا: تمنح الحكومة البريطانية شركة غوردن وشركائه عقدا عاما، بعد أن تشكل مجموعة من الرأسماليين العاملين في قطاع المقاولات والبناء، وفق سعر يتفق عليه أو نسبة تعطى للحكومة البريطانية.

ثالثا: تنفيذ المشروع كله لحساب الحكومة البريطانية.

رابعا: منح الشركة والمجموعة امتيازا مماثلا للخطة التي اتبعها ديليسبس في مشروع قناة السويس، ما يعني منحهم قطاعا من الأرض، يمتد من العقبة إلى غزة مرورا ببئر السبع، بطريقة حق الانتفاع لمدة 99 عاما قابلة للتجديد باتفاق الطرفين، وحفر القناة لحساب شركة غوردن ومجموعة الرأسماليين. ويحق للشركة والمجموعة، اللتين سوف تكونان كيانا واحدا هدفه حفر قناة العقبة، أن تبيع أسهما، كما فعل ديليسبس.

ووفق توقع غوردن، فإنه “لا شك أن الحكومتين البريطانية والأمريكية سوف تشتريان هذه الأسهم أو على الأقل الجزء الرئيسي منها. وتحصل الحكومات الأخرى، التي تستحق، الأسهم المتبقية بناء على نصيحة مشتركة من الحكومتين البريطانية والأمريكية”.

خامسا: سيكون إنشاء خط السكة الحديد المزدوج الموازي للقناة جزءًا من الاتفاق. ويمكن أن يُبرم اتفاق منفصل بشأنه.

مصادرة وتعويض

اقترحت الخطة على بريطانيا أن “تصادر الأراضي وتدفع للعرب تعويضا صغيرا مقابل صحرائهم وأراضيهم غير المنتجة عديمة الجدوى”.

غير أنها طرحت بديلا هو “أن تدفع الحكومة البريطانية، بقوة، بأنها بحاجة إلى هذه الأرض لبناء مرافق حربية لا بد منها مثل خط سكة حديد .. إلى آخره، باعتبار هذا أمرا طارئا ملحا”.

واستعرض حالة الأراضي المقترح مصادرتها. وقال إنها “منطقة صحراوية برية مهملة خربة وغير منتجة، ولهذا يسمونها صحراء ويستوطنها بدو رحل متجولون قليلون، وبها القليل جدا من القرى العربية المستوطنة بشكل دائم، ونادرا ما ينتجون ما يكفي لبقائهم”.

ومن الناحية التاريخية، فإن هذه الأرض “على هذا الحال منذ قرون طويلة وسوف تستمر على هذا الوضع لقرون كثيرة أخرى قادمة ما دام الرحل سيستخدمونها مواقع للخيام البدوية”.

وبناء على هذا، فإن الحكومة البريطانية، حسبما اعتقد غوردن “لن تجد صعوبة في الحصول عليها بالمصادرة والتعويض”.

لا توطين لليهود

أرفق غوردن مشروعه بسيرة ذاتية مطولة، وبدا أنه أراد أن ينفي أي طبيعة سياسية لمشروعه، وأن يبعد أي شبهة علاقة بينه وبين الحركة الصهيونية التي نشطت في نقل اليهود من أنحاء العالم للاستيطان في فلسطين.

وقال إن مشروعه “تنموي.. ولن يكون له صلة بالمنظمة الصهيونية، وليس مشروعا لتوطين اليهود في فلسطين”. وأضاف أن الأمر “يجب أن يُفسر على هذا النحو، رغم أنني يهودي الديانة وصهيوني”.

2

ومضى يقول: “اجتزت فلسطين وأقمت 20 شهرا في يافا بفلسطين، كممثل مقيم لشركة تصدير واستيراد كبرى في مدينة أوديسا الروسية، مسقط رأسي، وهي شركة تابعة للأسطول التجاري الروسي قبل عام 1912”.

وعاود التأكيد على أن هدف المشروع كله هو المال. فقال لتشرشل “ليس هناك أي أيديولوجية مرتبطة بهذه الخطة إلا الدولارات والسنتات. أرجو أن تفهمني على هذا النحو”. وكرر أنه “مواطن أمريكي مخلص، وبريطاني جيد، وقبل كل هذا، مقاول وبنّاء”.

في هذا السياق، تحدثت الخطة عن العلاقة المأمولة بين العرب واليهود في منطقة المشروع. ووفق تصور غوردن، فإنه لا بد من استخدامهم في تنفيذ المشروع بسبب “عدم وجود رجال بيض”!.

وقال إنه نظرا لأن الأرض “مقفرة في الوقت الحالي ولا يسكنها رجال بيض يوفرون الدعم العاجل لمشروع السكة الجديد”، فقد خطط “للاعتماد على جمع العرب واليهود في مناطق سكنية مشتركة”. وهذا يعني “تطوير هذه المنطقة وتوطينها كلها بقُرى زراعية يهودية وعربية، يعيش فيها اليهود والعرب معا جيرانا متلاصقين (فالعربي طيب إن لم يُحرض على عربي آخر)، وليس في قرى منفصلة أو أحياء يهودية منعزلة (غيتو).”

ورسم غوردن التصور التالي لشكل المنطقة: “مجتمعات متجاورة، تسكن هذا القطاع من الأرض الممتدة من العقبة إلى غزة ومن القناة (قناة العقبة) إلى الحدود المصرية”.

يهودي “متحضر” وعربي “متلون”

في الوقت نفسه، عقد مقارنة بين اليهودي والعربي، قائلا إن رأيه يستند إلى “الفطرة السليمة الطبيعية”.

فقال “اليهودي رجل متحضر، وكائن أو مواطن مخلص في كل دولة يعيش فيها، وسيكون سعيدا أن يعيش في سلام، ويواصل دعوته في أي ظرف يجد نفسه فيه، ومخلص لحكومته، وهو المزارع الذي يحرث الأرض، وبعد رحيله، سوف يتركها في رخاء”. وعبر عن اعتقاده بأن اليهودي “يدافع عن بريطانيا العظمى إلى آخر نقطة في دمه لحماية ممتلكاته الخاصة وممتلكات بريطانيا العظمى”.

أما العربي فهو برأي غوردن “ليس رجلا متحضرا، ومتلون للغاية، ويسهل رشوته وتحريضه، وخاصة البدو الذين يعيشون حياة تعود إلى 5000 آلاف عام. وسوف يترك ملكية قريته ويهرب إلى البرية مع أغنامه وماشيته وجِماله. ولو أن هناك أي حجز على مزرعة بسبب رهن عقاري، فلن تكون تلك مزرعة يهودي بل مزرعة لمزارع عربي”.

مرت شهور ولم يتلقَ غوردن ردا، فكتب إلى تشرشل مرة أخرى طالبا إبلاغه بالإدارة المناسبة كي يخاطبها.

وتكشف الوثائق إلى أن المشاورات داخل الأجهزة البريطانية انتهت برد بعث به المقدم سير بيرنارد ريلي، من البحرية، إلى سكرتير تشرشل الشخصي، قائلا:

“نشعر بأنه يصعب اعتبار مشروعه (غوردن) مساهمة جدية في حل مشكلات النقل في وقت الحرب في الشرق الأوسط”.

وفي أبريل عام 1943، أي بعد عام من الدراسة، تلقى غوردن رسالة من مدير مكتب تشرشل تقول: “أبلغك بأنه ( تشرشل) يأسف، إذ إنه في ظل الظروف الحالية، ليس بإمكانه أن يعطي هذا المشروع التشجيع الذي تطلبه”.

لم يعطِ البريطانيون، وفق ما جاء في الوثائق، غوردن أسبابا محددة لرفضهم دعم مشروعه.

غير أنه بعد أربع سنوات أعيد فتح الملف مرة أخرى. فلم تكد تمر ستة شهور على إعلان انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وقيام إسرائيل، حتى شرع مكتب شؤون المستعمرات وإدارة شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية في بحث إمكانية ترك حامية بريطانية دائمة في أي من مناطق فلسطين، ووضع ترتيبات للدفاع عن قناة السويس. وفي هذا السياق، أعيد طرح فكرة قناة العقبة-غزة، واحتمال إنشاء ممر بريطاني في صحراء النقب.

وحسب برقية داخلية موجهة إلى وزارة الخارجية، قال سير جون روبرت تشانسلر، مدير إدارة المستعمرات إنه “جرى دراسة مشروع قناة غزة-العقبة. غير أن التفكير كان هو أن الصعوبات الهندسية بالغة للغاية، ويحتاج المشروع العديد من ملايين (الجنيهات الاسترلينية) لتطبيق الفكرة”.

وأضاف “أشك إن كان يتعين علينا، في ظل الظروف المتغيرة للحروب الحديثة، أن نلجأ إلى حفر قناة منفصلة عبر جنوبي فلسطين خاصة أننا لن نحتفظ بالسيطرة هناك”.

وفيما يتعلق بالدفاع عن قناة السويس، طُرحت فكرة إنشاء معسكرات للقوات البريطانية قرب غزة، والاحتفاظ بممر بعرض 16 كيلومترا بطول الحدود بين فلسطين ومصر، داخل الأراضي الفلسطينية، لربط غزة بالعقبة التي كانت تنوي بريطانيا الاحتفاظ بها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى