لا تجرد الفلسطينيين من حق الكفاح المسلح
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لم تجرؤ الولايات المتحدة، لا دبوماسيا ولا مخابراتيا ولا إعلاميا على الربط بين “طوفان الأقصى” التي شنتها حماس على إسرائيل، وإيران، بل أن كثيرا من كتاب الصحف الأمريكية مثل “نيويروك تايمز” المنحازة جدا إلى إسرائيل، وواشطن بوست التي تحاول إخفاء انحيازها نفوا هذه الربط، ومعروف جدا أن ثمة علاقات وثيقة لأشهر كتاب هاتين الجريدتين مع دوائر صناعة القرار في الإدارة الأمريكية، سواء في البيت الأبيض أو البنتاجون أو الخارجية أو المخابرات المركزية، باعتبارها مصادر مهمة، وهم قالوا ذلك في كتابتهم، لكن الأستاذ سليمان جودة في مقاله “خط أحمر وهي تتحرك في الإقليم”، اكتشف “الأصابع الخفية” لإيران في عملية طوفان الأقصي.. وقدم دليله من أمرين:
الأول: أن حزب الله اللبناني الموالي لإيران أطلق صواريخه على ثلاثة مواقع إسرائيلية في منطقة مزارع شبعا المحتلة في اليوم التالي لعملية حماس.
الثاني: لا تجد فصائل فلسطينية كثيرة مشكلة في أن تكون خيوطها ظاهرة وممتدة مع إيران، وحماس لا تداري هذا.
في الحقيقة حاولت مستميتا أن أعرف كيف وصل الأستاذ سليمان إلى برهانه من هذين الأمرين، وقلبتهما على كل جوانبهما وفككت كل كلمة فيهما، وفشلت فشلا ذريعا، ومؤكد أن العيب في قدرتي على التحليل، وليس على الأستاذ سليمان حرج، فكل امرء له قدراته ولا يستطيع أن يتخطاها.
لكن وجدت عقلي من باب “المبالغة الوهمية” لا يقبل التفسير، وينحرف إلى تساؤلات مشروعة: إذا كان أمر حزب الله معلنا لأن له أفكار دينية تتماشى مع أفكار الملالي في إيران لكن حماس أفكاره الدينية مختلفة تماما، فكيف ينفذ ما تأمره به إيران بغض النظر عن مصالحه ومصالح وطنه؟
أليس طبيعيا أن تكون لحماس علاقة جيدة بإيران دون أن يكون مجرد “سلاح خاص” في يدها تستخدمه وقتما تشاء، فهي الدولة الوحيدة التي تمده بالسلاح والعتاد والخبرات في كفاحه المسلح، في وقت أذعن الجميع لفكرة السلام الذي عرقلته إسرائيل عمدا، منذ مؤتمر مدريد سنة 1991، يعني لأكثر من 32 سنة، وقد تكون هذه المدة هي الأطول في تاريخ أي مفاوضات عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل، مفاوضات عبثية، فإسرائيل ترى أن القوة هي “المفتاح” الوحيد لدولة إسرائيل الكبرى، كما كشفها بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، وهو يستعرض خريطة إسرائيل ويقارن بين حدودها في عام 1948، وحدودها الآن، بين حجم العداوة الذي كانت تعيش فيها مع جيرانها قبل 75 سنة، ومساحة “المحبة” التي اكتسبتها بتلك القوة.
والسؤال: ماذا كان هدف “طوفان الأقصي” كما حدده الأستاذ سليمان؟
في المقدمة.. إحراج السعودية التي كانت قد أعلنت على لسان ولي عهدها محمد بن سليمان في حديثه مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية أن بلاده أقرب لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مما كانت عليه، وإيران لا ترتاح لهذا التطبيع..
ثم نأتي إلى الجملة القنبلة في هذا التحليل، “تبين أن اختيار توقيت طوفان الأقصي مقصود”، بعد أن علقت الحكومة السعودية مفاوضات التطبيع مع تل أبيب.
عبارة تشى بأن الأستاذ سليمان كان يهمه بالدرجة الأولى أن “تُستكمل” مفاوضات التطبيع طريقها إلى العلاقات الكاملة مع السعودية، وهو يتأسى على وقفها!
وبالمناسبة هذا هو رأي الكاتب الأمريكي اليهودي “توماس فريدمان” أيضا، دون أن يربط بين إيران وطوفان الأقصى في مقال “لماذ تتصرف إسرائيل بهذه الطريقة” المنشور في نيويورك تايمز يوم 15 أكتوبر.
ولن أحلل هذا الأمر، فالسعودية حرة تماما في ترتيب علاقاتها بالطريقة التي ترى بها مصالحها، ولا يحق لأحد أن يتدخل في شئونها، بنفس الدرجة التي لا نحب أحد أن يتدخل في شئون مصر.
لكن هل هذا سبب مهم لأن تشن حماس هجمات بهذه الشراسة، والمقدرة الفائقة على التخطيط والتنفيذ؟، يعني لو لم تكن هناك مفاوضات بين السعودية وإسرائيل على التطبيع، سوف تحتفظ حماس بأسلحتها وقدراتها من صواريخ وطائرات شراعية ورشاشات وقنابل..الخ، وتلهو بها في الأعياد والمناسبات، وتركن إلى الهدوء والتسليم بالأمر الواقع من احتلال واعتداءات على المسجد الأقصي وقتل أبناء وطنهم في غزة والضفة، وهي الفصيل الوحيد المسلح بين كل الفلسطينيين!
هل كل المرات التي كانت تهاجم فيه مستوطنات أو تطلق صواريخا على المدن الإسرائيلية وراءها هدف خفي لإيران يختلف عن التطبيع بين السعودية وإسرائيل؟، وهل قصد حزب الله حين كان يحاول تخفيف الضغط على حماس وغزة وقتها أن يخدم إيران بطريقة ما؟، أليس لحزب الله أرضا محتلة، هي مزارع شبعا التي تتكون من 13 بلدة؟
قطعا لا أحب حماس، وأراها سببا من أسباب “الانقسام” الفلسطيني، وكانت دوما ذريعة في يد إسرائيل لوأد أي تقدم في علمية السلام، لكن يستحيل أن نحرم الفلسطينيين من حق الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي بسببها، بعد أن عملت إسرائيل على دفن عملية السلام، وحماس هي أقوى منظمة مقاتلة يملكها الفلسطينيون سواء رضينا عنها أو رفضناها، تعطافنا معها أو كرهناها قبلنا أعمالها أو لعناها، فهي شأن فلسطيني خاص، صحيح تلقي بظلالها على المنطقة، لكن الفلسطينيين أولى بلحم منظمتهم!
لماذا لا نرى عملية حماس “حجرا ثقيلا”، في وزن الفيل، ألقت في بركة السلام الراكدة؟، وليس مجرد الثأر للإذلال الذي يمارسه الاحتلال في حق الفلسطينيين منذ تسلم نتانياهو رئاسة الحكومة العبرية في ديسمبر 2022 كما وصفها الأستاذ سليمان؟
ألا يعلم أن الاحتلال يرتكب جرائم ضد الإنسانية وليس إذلالا ضد الفلسطينيين لأكثر من 75 عاما وليس من ديسمبر 2022؟، ألم يحاول المتطرفون الإسرئيليون حرق المسجد الأقصي قبل ثلاثين سنة؟، ألم يُقتل أكثر من 20 ألف فلسطيني من سنة 2000 حتى ديسمبر 2022 في الضفة وغزة منهم خمسة ألاف طفل وصبي على الأقل؟..الخ.
بالطبع يا أستاذ سليمان نرفض أن تلعب إيران في المنطقة حسب هواها ومصالحها، بل علينا أن نقاوم ذلك بكل ما نملك من قوة، وأن نضع ما تفعله حماس في دائرة حماس، دون أن يمتد تأثيره على أمن مصر وسلامتها، أما الثمن الباهظ الذي يدفعه الفلسطينيون دما وتعذيبا وتشريدا قبل وبعد كل عملية مقاومة مسلحة، تعترف به كل المواثيق والقوانين الدولية ضد أي احتلال، فهذا الثمن دفعته كل الشعوب الباحثة عن الحرية والعدل في الجزائر والهند ومصر وفيتنام والصين وسوريا وكوبا والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها، من الذين سقطوا تحت الاحتلال الغربي منذ القرن السادس عشر إلى نهاية القرن العشرين، فالقتال على السلطة والثروة داء شرس في بنية البشرية، فلا تجرد الفلسطينيين من حق الدفاع المسلح، طالما أن عدوهم لا يعمل إلا بقانون القوة.