منوعات

عما جرى في نيامي

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الكلام عن النيجر وما جرى فيها ، هو كلام عن دولة شبه جارة لنا ، لا لشيء ، إلا لأنها على علاقة جوار مباشر مع ليبيا .

ولا بد أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتابع الحالة التي وصلت إليها علاقة بلاده مع النيجر ، ولسان حاله يردد ما كان الإمام محمد عبده يردده ويقول : لعن الله السياسة ، وساس ، ويسوس ، وسائس ، وكل مرادفات وتفريعات الكلمة .

ذلك أن علاقة البلدين كانت على ما يرام حتى السادس والعشرين من يوليو ، وكان الرئيس النيجري محمد بازوم يوصف بأنه رجل فرنسا في النيجر ، وكان ماكرون يستقبله في قصر الإليزيه كما يستقبل الضيوف الكبار .

ولكن ما كادت شمس ذلك اليوم من يوليو تطلع على أفريقيا ، حتى كان الجنرال عبد الرحمن تياني ، قائد الحرس الرئاسي في العاصمة النيجرية نيامي ، قد استولى على السلطة وحدد إقامة بازوم ، وجعل من نفسه حاكماً للبلاد ومعه بعض رفاقه .

ومن بعدها إلى اليوم صارت علاقة باريس مع نيامي تنتقل من سيء لأسوأ ، ووصلت في سوئها الى حد أن السلطة الجديدة التي جاءت بعد بازوم جردت السفير الفرنسي من حصانته الدبلوماسية ، وطلبت من الشرطة إخراجه من البلاد بالقوة إذا لزم الأمر .

وكان موقف ماكرون فريداً من نوعه ، لأنه رفض أولاً مغادرة السفير الذي بقي في السفارة وفي محل إقامته لا يغادرهما ، ولأن الرئيس الفرنسي كان ولا يزال يقول إنه لا يعترف إلا ببازوم ، وأن بازوم هو مَنْ يقول إن على السفير الفرنسي أن يغادر أم لا ؟

وفي يوم روى ماكرون أن السفير محاصر في بيته ، وأنه لا يحصل من الطعام إلا على الحصص الغذائية العسكرية .. وكان ذلك غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين ، وفي تاريخ العلاقات بين الدول بوجه عام ، فلم يحدث من قبل أن طلبت دولة من سفير دولة أخرى لديها أن يغادر ، فرفض المغادرة وبقي رغم أنف الدولة المضيفة !

ولكن ماكرون لم يجد مفراً في النهاية من سحب السفير ، ولا وجد مفراً من سحب القوات الفرنسية الموجودة في نيامي ، والتي يصل عدد أفرادها إلى ١٥٠٠ فرد عسكري .. ولم يشأ الرئيس الفرنسي أن يترك الباب مفتوحاً أو حتى موارباً ، فقال وهو يسحب السفير والقوات إن الرئيس هو بازوم ، وإنه لا شرعية لسواه في نيامي !

لقد خسرت فرنسا النيجر في غمضة عين ، وعندما هددت بإعادة بازوم بالقوة لم يكن تهديدها من الحكمة السياسية في شيء ، لأنه ليس من الممكن أن يحكم رئيس بلداً بهذه الطريقة التي يريدها ماكرون ، ولأن هذا التهديد جعل مالي وبوركينا فاسو ، وهما دولتان مجاورتان للنيجر ، تعقدان معها اتفاقية دفاع مشترك ، فكأن عداء النيجر للحكومة الفرنسية قد صار عداءً من ثلاث دول !

كان الموقف الفرنسي قائماً على عدد من المبادئ من وجهة نظر الرئيس الفرنسي ، ولكن السؤال الذي لم يسأله ماكرون لنفسه هو كالتالي : منذ متى كانت المبادئ من أي نوع حاكمة في العلاقات بين الدول ؟ .. لو كانت حاكمة ما لعن الأستاذ الإمام كلمة السياسة بكل مرادفاتها .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى