منوعات

صرخة.. أين الشعب السودانى؟

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

التساؤل الطبيعى الذى يجب أن يدور فى الأذهان بخصوص الأحداث الدامية فى السودان البلد الشقيق والهام والاستراتيجى، هو: أين الشعب السودانى من هذه الأحداث التى تجرى بين شقيقين اختلفا على السلطة والثروة؛ حتى أصبح الدمار والخراب هو العنوان الرئيسى فى الخرطوم وأم درمان وكل مدن السودان؟!.

لم يكن أحد يتخيل فى أبشع كوابيسه أن يجرى هذا السيناريو الدامى فى الخرطوم، وأن يضرب الشقيقان عرض الحائط بكل القواعد الأخلاقية والإنسانية فى شهر رمضان الكريم الذى تتوقف فيه الحروب احترامًا وتقديرًا لصوم المواطن وفى أيام عيد الفطر المبارك.

وما زالت القنابل والرصاص هى التى تتحدث بدلًا من لغة العقل والحوار والتفاوض بين الإخوة فى السودان.

وبعيدًا عن المبادرات الإقليمية والدولية لوضع هدنة هشة ومخترقة ولا تنفذ على أرض الواقع، فهل إجلاء الدبلوماسيين والأجانب وعمل ممرات إنسانية لهم الأهم لدى الطرفين المتصارعين فى السودان؟ سواء الجيش الذى يحافظ على وحدة التراب السودانى أو ميليشيات الدعم السريع التى خرجت علينا بين ليلة وضحاها لتعبث بمقدرات الشعب السودانى وتستخدم المواطنين دروعًا بشرية فى الاقتتال الذى أسقط ضحايا من القتلى والمصابين وصل عددهم للآلاف من أبناء الشعب السودانى الشقيق والعظيم الذى لم يجن شيئًا يُقتل من أجله وبسببه.

ومن العجائب وعلامات الساعة أن نجد أن حماية الأجانب لإخراجهم من السودان أهم لدى الطرفين من المواطن السودانى الذى أصبح خارج حسابات الشقيقين، اللذين استباحا كل شىء المسكن والمأكل والمستشفيات والصيدليات؛ حتى أصبح الدخان فى سماء الخرطوم العظيمة وعلى ضفاف النيل الأزرق الذى يصرخ بأعلى صوته: لماذا تفعلون بنا هذا وذاك؟!.

والتساؤل الغريب والمثير: أين القوى الوطنية؟ وأين حركة الحرية والتغيير وكل المسميات السياسية التى وقفت صامتة وانقسمت بين دعم هذا أو ذاك، منتظرين المنتصر لتخرج كل الأبواق والشعارات والكلمات بمطالبهم بحكومة مدنية فى بلد يحترق ويتم تفكيكه بفعل فاعل وهما الشقيقان السودانيان.

لقد تحولت المأساة إلى حرب شوارع وحرب مدن، وأخشى ما أخشاه أن تتحول إلى حرب أهلية تقضى على الأخضر واليابس، وينقسم فيها السودان إلى ولايات مستقلة، ويضيع هذا البلد والشعب، لأنه حينها لن تكون هناك ديمقراطية أو غير ديمقراطية، فالحقيقة التى لا ينكرها أحد هى أن أول مسمار فى نعش السودان تم وضعه مع انفصال الجنوب عن الشمال، أيام كان أحمد أبو الغيط وزيرًا للخارجية المصرية.

والعجيب هو اختفاء الصين أكبر حليف اقتصادى للسودان عن المشهد، وروسيا التى كانت تروج لفكرة التحالف العسكرى مع السودان، وأخشى ما أخشاه أن يكون هذا اختفاءً مدبرًا لتحويل الاقتتال إلى حرب قبلية تكون الحركات المسلحة فيها هى سيدة الموقف، خصوصًا أمام الصمت العربى والدولى، فالأزمة السودانية لن تُحل إلا من خلال السودانيين أنفسهم، وبأيديهم، فأين الحكماء والعقلاء والسياسيون مما يجرى من أحداث يندى لها الجبين وتجعل الأصنام تتحرك؟!.

فهل السلطة أصبحت مفسدة فى عالمنا العربى، وأصبحنا نتكالب على ثروات الذهب والمنجنيز والمياه، بينما تنتظر على أحر من الجمر دول أخرى مثل إثيوبيا، لاحتلال القفشة السودانية واستغلال الأزمة الداخلية فى السودان لتحقيق أغراضها وتأكيد سيطرتها على النيل الذى كان هبة من السماء، ولكن أعمال البشر دنسته وخذلته ودمرته.

وخرج علينا زبانية البشير وأعضاء حزب المؤتمر الذين خرجوا من السجون وأحدثوا الفوضى والدمار وأجَّجوا الحرب ونشروا الشائعات، ولكن لا ننسى أنهم هم التيار الإسلامى المتشدد الذى تدخل فى المؤسسة العسكرية بالسودان وأغرق السودان والبلاد على مدار أكثر من 30 عامًا حتى الآن، وأن قضيتهم الأساسية كانت استهداف مصر، فالذي دبر حادث أديس أبابا للرئيس المصرى الراحل المرحوم حسنى مبارك، هو عمر البشير والترابى وجماعته الظلامية بتحالفهم مع جماعة الإخوان الإرهابية التى خرج من رحمها تنظيم داعش والقاعدة وكل التنظيمات الإرهابية الحالية.

فهل المخطط الصهيونى هو تصدير الفوضى لمصر وتفكيك السودان؟! أم هو التحكم فى السودان الذى يعتبر بلدًا مهمًّا جدًّا للملاحة فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب؟!.

إن كان كذلك، فلن يفلح؛ لأن مصر بشعبها الأبىّ احتضنت وتحتضن الآن أكثر من 7 ملايين سودانى شقيق بالإضافة إلى 8 ملايين سورى ويمنى، هربوا من المعاناة بحثًا عن الأمان فى مصر، ومنحتهم القاهرة كل حقوق المواطن المصرى بلا منة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها، ودون أن تستضيف أشقاءها فى مخيمات لاجئين كما تفعل دول أخرى، بل يعيشون معززين مكرمين، ودون أن تستخدمهم مصر ورقة ضغط على المجتمع الدولى بحجة حمايته من الهجرة غير الشرعية أو تصدير الإرهابيين.. فهى تتحمل هذا بحكم تاريخها وشعبها العظيم، ودون هدف أو مصلحة أو حسابات سياسية أو مطامع فى السودان الشقيق أو غيره، فمصر والسودان كانتا دولة واحدة، وستظلان شعبًا واحدًا إلى الأبد، ونحن لن ننسى اللاءات الثلاث إبان زيارة الزعيم جمال عبد الناصر للخرطوم.

فلذلك كانت دعوة مصر والرئيس السيسى لإنشاء قوة عسكرية عربية، هدفها الرئيسى هو حل أى خلافات أو منازعات عربية عربية داخل القطر أو الدولة، ليس على طريقة الاتحاد الإفريقى أو منظمة إيجاد، ولكن على الطريقة العربية، وهذا كان سيوفر علينا الكثير والكثير من الدماء العربية وما كنا سنشاهد المشهد السودانى أو الليبى أو اليمنى، فلذلك تم إيقاف هذا المشروع بفيتو أمريكى انصاعت له بعض الدول، للأسف الشديد، بسبب الشيطان الأكبر وهو الولايات المتحدة.

فهل تعلمون يا سادة أنه بسبب مقتل السفير الأمريكى فى بنغازى الليبية خسرت هيلارى كلينتون والحزب الديمقراطى الانتخابات، وهم يخشون تكرار هذا الأمر فى السودان، خصوصًا أن هناك 16 ألف مواطن أمريكى فى الخرطوم يتم إجلاؤهم على قدم وساق، ولكن هذا عدد كبير وغريب جدًّا من الأمريكيين فى السودان ويثير الريبة والشك، خصوصًا أن الولايات المتحدة قادت أعمال اللجنة الرباعية بخصوص السودان منذ الثورة على البشير فى 2019، وهم من أوصلوا السودان إلى ما نشاهده الآن، من اقتتال بين الأشقاء فى شوارع العاصمة الخرطوم.

والسؤال الذى لم أجد له إجابة حتى الآن، بعيدًا عن التحليلات السياسية وآراء الخبراء الاستراتيجيين، فى وسائل الإعلام العربية والأجنبية وعلى السوشيال ميديا، هو: أين الشعب السودانى الذى خرج بالملايين فى شوارع الخرطوم ومدن السودان وأسقط البشير وميليشياته؟ ولماذا لا يخرج الآن، ليكون حاجزًا ومانعًا وكاشفًا ومحافظًا على الأرض والعرض والنساء والأطفال والشيوخ؟ وليقول للجميع: نحن، الشعب السودانى، أولى ببلادنا بعيدًا عن المبادرات والتفاوضات؟!، هذه بلادنا وأرضنا ونيلنا وذهبنا ونفطنا ولن نسمح لأحد بتكرار السيناريو الليبى أو السورى أو اليمنى فى أرضنا.

أشقاءنا فى وادى النيل، أقولها من أعلى مئذنة فى قاهرة المعز، انزلوا إلى الشوارع أيها الشعب السودانى العظيم، وأوقفوا النزوح إلى مصر أو تشاد أو غيرهما، وحافظوا على أرضكم قبل فوات الأوان، وقبل يوم لا تشفع فيه مبادرات ولا حقوق إنسان ولا حيوان ولا ديمقراطيات زائفة.

فما قيمة كون الإنسان

إن أبقيت على الأرض جبان

لا يعرف معنى الإنسان السودانى

وشكر الله سعيكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى