شيء من إمتاع العوام فى “غرائب وعجائب المخلوقات” ..
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أراد مؤلف النص التاريخى “عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات” ألا يقف عند حدود توثيق وعرض معرفة عصره فيما يخص الكائنات والحيوانات وغيرها من مخلوقات الله والظواهر الطبيعية التى عرفها عصره فى القرن السابع الهجرى، الثالث عشر الميلادى، ووربما قصد أن يتضمن كتابه هذا بعدا آخر ممتعا بل وربما مسليا عن قصد، يخفف من جفاف مادته العلمية التى تسعى إلى وصف الكائنات والظواهر ومحاولة تفسيرها، فقرر أن يضيف تعبيرات ورؤى منثورة داخل النص الطويل تضم بعضا من أساطير شاعت فى عصره، وهو لم يكن بعيدا – كما نظن ومن مجمل قراءة النص – عن الوعى بذلك بشكل كبير، لكنه ربما أراد أن يجمع بين جد معرفى ومتعة حكى تضم أحيانا بعضا من أثر مما هو من شائع القول لدى جمهور العوام فى زمنه، بغرض مقصود هادف هو التسلية التى عبرت عنها نفس تيمات حكايات الجدات الأسطورية التى ظلت تحكى للأطفال حتى أزمان قريبة، بل احتشدت بها بعض كتب حكايات الأطفال شرقا وغربا.
ويمكن أن يكون القزوينى مؤلف هذا النص قد أدرك أن الكثير من رصين وثقيل المعرفة لا يجعل للكتب رواجا خارج دائرة العلماء والراغبين فى المعرفة العلمية، فكأنما أراد هنا فى سرد بعض ما هو شائع من خرافات عصره أن يمنح بابا مسليا وممتعا مقروئا يستهدف نطاقا أوسع من الجمهور، وهو يبدأ سرد تلك الأساطير بكلمة كثيرا ما تتكرر وهى “وزعموا” كأنه يفضل نسب الكلام غير المثبت بمشاهدة أو تجربة إلى عموم القول أو يقول ضمنا أنه من باب إضافات الإمتاع الخرافية، ونورد هنا بعضا من تعبيرات علمية ومعرفية مدهشة اللغة والمعنى لطواهر الحياة والكون مع بعض آخر يخص ما هو أسطوري الطابع غريب المحتوى والمعنى، مما هو شائع لدى جمهور العامة فى زمنه، وتتناثر تلك التعبيرات معا على امتدد النص متداخلة بين معرفة وزعم فى تداخل ممتع التقطنا بعضا منه.
الزمان: والزمان أنفس رأس مال به تكتسب كل سعادة وإنه يضمحل شيئا فشيئا، وزمانك عمرك وهو معلوم القدر عند الله تعالى وإن لم يكن معلوما عندك، وما مثله إلا كمسافة ساع يسع فى قطعها قوى على السير لا يفتر طرفة عين، فما أعجل انقطاعها وإن كانت بعيدة، وما أسرع زوالها وإن كانت كعمر لقمان مديدة.
ومن عجائب ما ذكر عن شائع فيما يخص نظرة الناس لبعض الأيام، الثلاثاء: تستحب فيه العقود وإصلاح حال النفس بالحجامة، وقيل إن قابيل قتل هابيل يوم الثلاثاء، والأربعاء: يوم قليل الخير، والأربعاء الأخير من الشهر يوم نحس مستمر يحمد فيه الاستحمام.
السحاب: زعموا أن الشمس إذا أشرقت على الماء والأرض حللت من الماء أجزاء لطيفة مائية تسمى بخارا، ومن الأرض أجزاء لطيفة أرضية تسمى دخانا، فإذا ارتفع البخار والدخان فى الهواء ودافعهما الهواء الى الجهات، فيكون منهما سحاب مؤتلف متراكم.
البحر المحيط: هو البحر العظيم الذى منه مادة سائر البحار، ولم يعرف ساحله يسميه اليونانيون أوقيانوس، والبحار التى نراها على وجه الأرض هى بمنزلة الخلجان له، وفيها من الجزر المسكونة والخربة ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
حيوانات بحر الصين: إذا كثرت أمواج هذا البحر ظهرت فيه أشخاص سود، طول الواحد منهم أربعة أشبار، ومنها ما حكى التجار أنهم يرون فى هذا البحر شبه طائر من نور، يستطيع الناظر أن ينظر إليه لأنه يملأ بصره، فإن ارتفع يرون البحر يسكن والأمواج تهدأ ويكون ذلك دليل السلامة، ثم إنه يُفقد فلا يدرون كيف ذهب.
فى صيرورة السهل جبلا: قالوا إذا امتزج الماء بالطين وكان فى الطين لزوجة وأثرت فيه حرارة الشمس مدة طويلة صار حجرا، فزعموا أن تولد الجبال من اجتماع الماء والطين وتأثير الشمس، وأما سبب ارتفاعها وشموخها فجاز أن يكون بسبب زلزلة فيها خسف فتنخفض بعض الأرض وترفع بعضها ثم المرتفع يصير حجرا.
الحيوان: ولما كانت الحيوانات بعضها عدو لبعض اقتضت الحكمة الإلهية لكل حيوان آلة يحفظ بها نفسه من عدوه، فمنه ما يدفع العدو بالقوة والمقاومة كالأسد والفيل والجاموس، ومنها ما يسلم من عدوه بالفرار كالظباء والطيور، ومنها ما يحفظ نفسه بسلاح كالقنفذ والشاهين والسلحفاة، ومنها ما يحفظ نفسه بحصن كالفأر والحية والهوام.
نفوس عجيبة التأثيرات: ذهب أهل الحق إلى أن النفوس مختلفة بحسب جواهرها، فمنها نفوس علوانية نورانية لها شعور بعالم الأرواح ومنها نفوس كثيفة كدرة مشغوفة بالجسمانية لا حظ لها من عالم الأرواح.
فى خواص الإنسان : ومنها الشيب فإنه لايوجد إلا فى الإنسان، وسببه أن الإنسان أضعف حرارة وأكثر رطوبة، وبياض الشعر إنما يكون من بلغم متعفن، ولهذا لا يرد إلا عند تغير المزاج إلى الرطوبة فى آخر سن الكهولة عند قصور الحرارة وكثرة الرطوبة فيحدث بخار متراوح متعفن يتولد منه شعر أبيض.
دمع الإنسان: إذا كان من الفرح وهو بارد يجمع ويعطى للحزين يزول حزنه، وإن أعطى للمصروع يزول صرعه.
الغول: زعموا أنه حيوان مشوه لم تحكمه الطبيعة وأنه لما خرج مفردا لم يستأنس وتوحش وطلب القفار، وهو يناسب الإنسان والبهيمة، وأنه يتراءى لمن يسافر وحده فى الليالى وأوقات الخلوات فيتوهمون أنه إنسان فيصد المسافر عن الطريق.
القوى العقلية: وهى مراتب، القوة التى يفارق بها الإنسان البهائم وهى استعداده لقبول العلوم والصناعات الفكرية، وقوة تحصل بها العلوم المستفادة من التجارب بمجارى الأحوال.. وقوة يعرف بها حقائق الأمور حتى يقمع اللذة العاجلة للذة الآجلة ويحتمل المكروه العاجل لسلامة الآجل فيسمى صاحبها عاقلا.