تداعيات حرب غزة على العقيدة الصهيونية
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
عندما سئل العالم الألماني ” أينشتاين” في اجتماع الجمعية المركزية للمواطنين الألمان اليهود عن رؤيته للصهيونية، فأجاب “لا أشعر بأنني ألمانيا، ولا أؤمن باليهودية كعقيدة دينية، ولكنني يهودي في النهاية وأفتخر لكوني أنتمي للشعب اليهودي، ولكني لا أعتقد أنه شعب الله المختار”. كما أشار ” أينشتاين” في التجمع اليهودي في برلين إلى أن “كلمة يهودي لها معنيان: المعنى الأول هي القومية، والمعنى الثاني هي الديانة، وأنه يتفق مع المعنى الأول ويرفض المعنى الثاني، كما أنني أؤيد الصهيونية لأنها توفر الموارد لبناء المؤسسات التعليمية في القدس”.
كما أشار الطبيب الأمريكي اليهودي “بول ايرينفيست” إلى أن الصهيونية تعتبر قيمة يهودية عليا، فهي قادرة على توحيد اليهود والحفاظ على بقائهم”. وقال “بول ايرينفيست” إن “الصهيونية مكنت المجتمع اليهودي من العيش في مكان آمن مع جيران مسالمين على خلاف الأوروبيين المتوحشين.”
إن ما سبق يشير إلى إرتباك في رؤية الرموز اليهودية للصهيونية، إذ يرونها مفهوما ثقافياً أكثر من كونها عقيدة سياسية. فلم يكن المجتمع اليهودي يعرف كلمة ” صهيونية” إلى أن اخترق هذا التصور المجتمع اليهودي واكتسبت أنصاراً لها بسبب السياسات التمييزية التي مورست ضد المجتمعات اليهودية منذ القرن الرابع عشر ومن قبل الميلاد ووصلت لأوجها مع بداية القرن العشرين في روسيا وأوروبا الشرقية وتحديداً في ١٩٠٣ ثم توجت بإعلان قيام دولة كيان الاحتلال عام ١٩٤٨.
ويتضح أن اليهودية كديانة وكقومية لم تتمكن من توحيد اليهود فوحدتهم الصهيونية. ولكن التطورات السياسية الداخلية في كيان الاحتلال منذ مطلع الألفية الثالثة تشير إلى أن محاولات الجناح السياسي من اليمين المتطرف للمزج بين الصهيونية واليهودية كقيم سياسية. وهي المحاولات التي لاقت وتلاقي معارضة شديدة سواء من اليهود أنفسهم، وخاصة الطائفة الحريدية المتدينة التي عارضت الصهيونية باعتبارها حركة علمانية كافرة، كما عارضتها – بدرجة أقل – حريديم السفارديم الذين أسسوا حركة “شاس”.
وتفاقمت الأزمة بين اليهودية والصهيونية مع تشكيل الحكومة رقم ٣٧ الحالية والتي عرفت بيمينيتها المتطرفة، حيث انضمت أبرز الوجوه المتطرفة ” بتسئيل سموترتش ” وزير المالية من حركة ” الصهيونية الدينية” و” إيتمار بن غفير” وزير الأمن القومي من حزب ” عظمة يهودية”.
ومع اندلاع حرب غزة، بدأ الوجه المتطرف للصهيونية في الظهور متمثلاً في السياسات المتطرفة لوزير الأمن القومي التي أضرت بالتماسك الداخلي للمجتمع الإسرائيلي وبدأت بسن قانون السلطة القضائية الذي ينزغ اختصاصات للسلطة لصالح الوزراء والسلطة التنفيذية من جانب، بالإضافة لخرق القانون وتسليح المستوطنين في محاولة جديدة لنشر الفوضى السياسية والأمنية في القطاع، ثم أخيراً حرب غزة التي أظهرت ” عجز الصهيونية الدينية” عن لم شمل المجتمع اليهودي في إسرائيل من جانب، وعن جذب الطوائف والحركات اليهودية المتدينة لتأييدها والتي أعلنت صراحة داخل وخارج إسرائيل أن كل ما يحدث في غزة وخارج غزة لا يمثل اليهودية من قريب أو بعيد. كما أنه يبتعد عن الصهيونية التقليدية!