انت من “مصر” ولا “من Egypt”؟
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أصبح متداولا بين فئات من النشء تصنيف بعضهم إلى “منتمين لمصر” وآخرين “ينتمون لـ Egypt”، ورغم أن كلا الكلمتين بالعربية والانجليزية تعنيان نفس البلد، ولكن هذا التصنيف يحمل وراءه معاني اقتصادية واجتماعية عميقة ناتجة عن المرحلة التي نمر بها في ظل عالم تعتصره أزمات اقتصادية واجتماعية حادة.
الانتماء لأي من المجموعتين يتخطى مسألة إتقان اللغة الإنجليزية أو عدم إتقانها على الاطلاق، وهو يرتبط بأنماط استهلاكية وعادات اجتماعية محددة.
وفق السائد بين النشء والشباب من “ينتمون لـ Egypt ” هم منفصلون عن المجتمع من حيث عاداته وتقاليده وربما همومه، ويعيشون على مدار الساعة على منصات التواصل الاجتماعي يستهلكون ما ينشر عليها وينشرون فيديوهات قاموا بصنعها خصيصا لتلك المنصات خاصة تيك توك، وتتحدث تلك الفيديوهات عن كل شيء في الحياة، عن كيفية اختيار اللبس للخروج والمعروف بلغة السوشيال ميديا GRWM ، أو عن فلتر جديد أعلن عنه تيك توك أو تدور حول تحد جديد يتم بثه مباشرة على المنصة وغيرها من الأمور التي من السهل التعرض لها بمجرد تصفح منصة تيك توك أو الفيسبوك.
ويرتبط بهذا النشاط المتزايد على هذه المنصات أنماط علاقات غير مألوفة بين من ينتمون ” لـ Egypt ” وبينهم والمجتمع، فهم فيما بينهم يرون أن كل شيء مباح وأن علاقاتهم مبنية على المساواة والندية، ويرون أنهم أفضل حالا من المجتمع الذي يعيشون فيه، فهم صفوة المجتمع، ولا ينبغي عليهم أن يكونوا صداقات مع أي أحد ممن “ينتمون لمصر” بسبب الاختلافات الكبيرة بينهم.
أما من ينتمون “لمصر” فهم من النشء والشباب الذين ورثوا عن أهلهم التمسك بالعادات والتقاليد الاصيلة المرتبطة بالمجتمع المصري كما نعرفه أو كما ندعي معرفته، ويثمنون العلاقة مع الأسرة والعائلة ويقدرون كل ما هو جميل بطبيعته ولديهم قدر من الاحترام تختلف درجته من حالة لأخرى للمرأة ولكبار السن، وحياتهم هي مزيج من الثقة في الله والإصرار على المثابرة والسعي وقدر من الفهلوة والتدبير للتغلب على الضغوط الاقتصادية.
وتتضح المشكلة حين يرغب أحد ممن “ينتمون لمصر” بالتعرف على أحد ممن ينتمون “لـ Egypt”، ويوجد على منصة يوتيوب عديد من الفيديوهات التي تحكي ما يحدث في هذه الحالات، فمن ينتمون للمجموعة الثانية يتحدثون عن اكتشاف “الشواوحي chicken لحمة شبيه البيتزا الايطالية” ومن ينتمون للمجموعة الأولى متفاجئون من هذا الوصف العبقري للحواوشي!
هذا التصنيف لم يعد خفيف الظل ويحمل معان فكاهية تبعث على الضحك ولم يعد حبيس منصات التواصل الاجتماعي، ولكنه منتشر بشكل لافت للانتباه بين فئات من النشء والشباب في المجتمع حتى أنه أصبح يعرف لغة الخطاب المتداولة بينهم ودوائر علاقات الصداقة والمعارف سواء في الشبكات المغلقة على منصات التواصل الاجتماعي أو في مساحات النشاط الرياضي والاجتماعي في الأندية والمدارس والجامعات، إلا أنه لم يلاحظ بعد اهتمام المنظرين الاجتماعيين به. بعبارة أخرى صنع هذا التصنيف النشء والشباب بأنفسهم، فهو ليس نتاج تنظير علماء الاجتماع والسياسة كحال كثير من الظواهر الموجودة في المجتمع.
وتختلف هذه الظاهرة في تصوري تماما عما ساد في مجتمعنا في سنوات سابقة من أنماط استهلاكية ترتبط بالانتماء الطبقي مثل امتلاك موبايل أي فون أو موبايل سامسونج، أو امتلاك سيارة مرسيدس أو سيارة لادا، أو تدخين سجائر سوبر أو سجائر مارلبورو، وغيرها من الأنماط الاستهلاكية التي كانت تكشف عن الانتماء للطبقة الوسطى أو العليا أو الدنيا والتي تعج بها أفلام السينما المصرية. حتى إن بعض المتخصصين كان يهتم بدراسة السلع التي يتم استهلاكها كمؤشر لقياس حجم الطبقة الوسطى.
تكشف الظاهرة الحالية عن تحول نوعي في المجتمع، وهي تستدعي تغيير النظرة إلى تركيبة المجتمع المصري من كونها تتألف من طبقات ثلاث دنيا ووسطى وعليا وفق علماء السياسة والاجتماع، إلى كون المجتمع يتألف من طبقتين بينهما فوارق كبيرة في أنماط الاستهلاك والدخل والمكانة الاقتصادية وما ينتج عن ذلك من قيم وعادات وممارسات اجتماعية قد تستمر لفترة لأن من يحمل هذه الفوارق ويؤمن بها هم النشء والشباب الذين يمثلون أكثر من ثلثي المجتمع المصري، وهم الذين يمثلون قوة العمل الرئيسية خلال السنوات المقبلة.
بعبارة أخرى، يساهم انتشار هذه الظاهرة في تكوين وجه آخر للمجتمع لا يتحدث عنه كثيرين، ولا يهتم به صناع السياسات العامة في البلد، وهو وجه مغاير لما هو مألوف من علاقات اجتماعية وما هو متعارف عليه من قيم وعادات وتقاليد مرتبطة بمجتمعنا.