منوعات

المشاريع الفكرية وتحقيق السلام (٢)

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

في هذا الجزء، سيتم استكمال الشروط الستة لتحقيق السلم الدائم وفقا لإيمانويل كانط.

بالنسبة للشرط الثاني لتحقيق السلم الدائم أشار “كانط” إلى خطورة القروض، حيث لا يجب التصديق على قروض (ديون) وطنية من أجل استخدامها في المنازعات الخارجية للدولة. أما بالنسبة للشرط الثالث فلا يجوز لأي دولة أن تتدخل بالقوة في نظام دولة أخرى أو في طريقة الحكم فيها. وفيما يتعلق بالشرط الرابع فوفقا لكانط لا يحق لأي دولة في حرب مع أخرى أن تمنح لنفسها الحق في القيام بأعمال عدائية ضد تلك الدولة، كالاغتيال، والتسميم، وخرق شروط التسليم، والتحريض على الخيانة، والتي من شأنها أن تؤدي عند إقرار السلام مجددا بين الدولتين إلى فقدان الثقة بين الدولتين. وبالنسبة للشرط الخامس لابد أن يكون دستور المدينة في كل دولة دستورا جمهوريا. أما بالنسبة للشرط السادس فلابد أن يقوم قانون الشعوب على أساس نظام اتحادي بين دول حرة مستقلة.

وتأسيسا على الشروط السابقة يرى “كانط” أن السلام العالمي يعبر عن حالة من الأمن والاستقرار تسود العالم، وتتيح التطور والازدهار للجميع”. أما السلام الدائم Perpetual peace فيعرف بأنه حالة يسود فيها السلام منطقة معينة بشكل دائم.

لقد تناول كانط مشروعه -السلام الدائم- وفق استراتيجية سماها بالعقلانية الكونية التي تزدري كل ما هو جزئي ومتغير، وتبحث عن منطلق يتجه نحو الشمول من خلال فكرة ديمومة واستقرار السلام.

فمن وجهة نظره، يعتبر أن السلام الدائم هو الحافز الوحيد في بلوغ السياسة الكونية، وما يتبعها من مفاهيم إنسانية (مواطنة كوسموسياسية، قوانين سياسية، تاريخ عالمي، مجتمع عالمي أخلاقي… إلخ). ومن الأفكار الجديرة بالذكر في مشروع كانط للسلم الدائم هي أن مفهوم السلام الدائم لا يتعلق بفكر يخص حضارة دون غيرها، أو قسمًا من الإنسانية دون غيره، فلا يعني السلام الدائم ما تقرّه أطروحات الفكر الغربي من مواثيق ودساتير- والتي ينتهكها هو قبل أي كان- لا يعني ذلك أن المساهمة في السلام تُطرح -في نظرنا- طرحًا خاطئًا عندما نقيسها على مساهمات الغرب، خاصة وأن تاريخ الحضارة الغربية قبل وأثناء وبعد كانط لا يخلو من حروب امتد بعضها لقرون عديدة. فالسلم أو السلام الدائم الذي يتحدث عنه كانط هو سلام بلا هوية مكانية أو حضارية، بل هو فكرة إنسانية أخلاقية.

ومن ثم فإن تحقيق فكرة السلم الدائم يجب أن تكون مدفوعة بإيمان فكري علمي وعقلاني بتجاوز الاختلافات اللغوية والسياسية والفروق الزمنية والحضارية والعقائدية.

ويعيب هذا المشروع الفكري للسلم الدائم أمران وهما اجتزاء فكرة المجتمع الديمقراطي على المجتمع الغربي، وإيمان كانط المطلق في عقلانية الانسان وخيريته.

في الجزء الثالث سيتم تناول مشروعات فكرية حضارية عربية وشرقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى