الذكاء الاصطناعي.. الضرورة الغائبة في إطفاء حريق استوديو الأهرام
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تشتعل النيران، يصرخ الناس حريقة، يتصل أحدهما بالمطافئ، تدب حركة في كل اتجاه من العساكر، يتأكدون من جاهزية خراطيم المياه وينزلون عبر عمود تأكيدًا للسرعة ثم يتحركون، هكذا أبرز إسماعيل ياسين مشهد إطفاء الحرائق بأسلوبه الكلاسيكي في فيلم إسماعيل ياسين في البوليس عام 1959، وهو مشهد سارت عليه مصر لنحو ثلاثة عقود بعد ظهور العمل إلى الشاشة.
فرغم إختراع إنذار الحريق المبكر عام 1890 على يد فرانسيس روببنز، لكنه استغرق وقتًا حتى يتم التغلب على العقبات التي ظهرت لاحقًا، وحين وصل إلى مصر كان بحسب بعض التقديرات في بداية السبعينيات، وحينها لم يكن الأمر يُسرع من إخماد النيران بل كل ما هنالك أنه سرّع من وتيرة الاستنجاد بالمطافئ، فبدلًا من الاتصال الذي يستغرق بعض الوقت، أصبح هناك معرفة بمجرد نشوب حريق.
كنت آمل أن أقول إنه بعد سنوات من هذا النظام المتواضع حدثت تغيّرات كثيرة بفضل ثورة الاتصالات التي نحياها، لكن الحقيقة إن هذا ينطبق على دول العالم المتقدم فقط، فنحن منذ بداية السبعينيات تقريبًا “محلك سر” وكل ما حدث أن أجهزة الإنذار صارت أسرع وتعمل بكفاءة فقط!
يدلل على حديثي، ما رأيناه خلال الأيام الماضية من حريق ستوديو الأهرام بمنطقة خاتم المرسلين، إذ وصلت أضراره إلى 10 عقارات وعشرات المعدات، وقد قُدرت الخسائر في بعض التقارير 30 مليون جنيه، إضافة إلى حريق آخر أقل شدة باستوديو مصر، وإذا أردنا أن نتخيل حجم ما نخسره سنويًا من اشتعال النيران، يكفي المعرفة أن خلال 2023 كان هناك 45 ألف و435 حريق بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، وهو ما يعني ملايين الجنيهات التي نخسرها سنويًا بجانب الأرواح البشرية التي لا تُقدر بثمن.
والسؤال ماذا نفعل، وهل يخسر العالم في كل حريق مثلما نخسر، الحقيقة لا، لأن العالم بدأ في الاتجاه إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في إطفاء الحرائق بطرق تقلل الخسائر وتتفادى فقدان الأرواح البشرية، وللفهم أكثر، ففي الوقت الحالي تستخدم الدول النامية أجهزة الإنذار التي تملك مستشعرات بسيطة ودقتها متوسطة، ما يعني مزيدًا من القيود على قدرة الأنظمة في الكشف الحقيقي للحرائق، بجانب أن تلك الأجهزة معرضة للأعطال المتكررة التي ينتج عنها إما إنذارات كاذبة أو تأخر في الاستجابة.
أما الدول المتقدمة، فتستخدم الجيل الثاني من أجهزة إنذار الحريق والتي يدخل معها الذكاء الاصطناعي، وقد يُدهش القارئ حين يظن أن الأمر يبدأ باشتعال النيران، لكن الحقيقة إنه يبدأ منذ تأسيس المباني نفسه، وبداية من خوارزميات تخطط الأبنية وطرق الإخلاء وبيانات الإشغال ومعلومات المستشعرات في الوقت الفعلي من أجل الوصول إلى أفضل السبل لإرشاد الأفراد إلى الأمان أثناء حالات الطوارئ.
بعد تلك الخطوات، هناك أجهزة أخرى تعمل مستشعراتها على اكتشاف مخاطر الحريق المحتملة، بناء على رؤية حاسوبية بواسطة خوارزميات التعلّم الآلي التي تعتمد على أكثر من مصدر لتحليل البيانات، بما في ذلك الظروف الجوفية وقياس كمية ثاني أكسيد الكربون والأكسجين في الغلاف الجوي.
أما في حالة نشوب الحريق بالفعل، فهناك عشرات الأنظمة التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي، والتي تبدأ بتوفير خرائط حرارية من خلال كاميرات مراقبة تُظهر تطور الحريق، مع المراقبة والتحليل للوقت الفعلي لنشوب النيران، وبجانب أن تلك البيانات توفّر عمل أجهزة التحقق في معرفة كيف نشبت النيران وتطورها وهل هناك قصد أو فعل بشري أم مجرد إهمال أو تعطيل أجهزة تلقائي، تبقى النقطة الأهم أن أجهزة الذكاء الاصطناعي لا تتوقف عند ذلك.
بل الأهم إن هناك تطور لمنظومة إطفاء الحرائق تلقائيًا عن طريق integration (التكامل) مع كاميرات المراقبة المزودة بالذكاء الاصطناعي و IOT ، سواء نظام قمع الحريق الغازي، أو ما يعرف بـ”الرغوة”، أو قمع الحرائق بالمواد الكيميائية الجافة وما إلى ذلك، وتعمل تلك المنظومة على تحديد مكان الحريق ثم التعامل مع المكان المحترق فقط، أي لو هناك حجرة في فندق نشب فيها حريق سيتم استخدام أي نظام داخل الغرفة فقط لا الفندق بما يوفّر أقصى درجات الأمان والطمأنينة للجميع.
ولمعرفة إلى أين يتجه العالم، يكفي معرفة التعاون الذي تم بين مختبر الدفع النفاث “جي بي إل” مع وكالة ناسا ووزارة الأمن الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، لتطوير تقنية تُسمى “AUDREY” وتهدف إلى تعزيز السلامة العامة بل وتعمل بدور مساعد لرجال الإطفاء فتجمع البيانات حول درجات الحرارة وإشارات الخطر ومواقع الغاز لتنتج في النهاية تحليل متكامل عن أي حريق محتمل، بل وصل الأمر إلى تصميم ملابس مرتبطة بأجهزة استشعار عن بعد، لتوجيه رجال الإطفاء في موقع أي حريق ومدّهم بكل البيانات اللازمة في ثوان.
بالتأكيد تلك الأنظمة مرتفعة الثمن، وتحتاج إلى أكفّاء يديرونها وإن كنت لا أشك مطلقًا أن لدينا كوادر بشرية تمتلك الكفاءة والمهارة في إدارة أحدث التقنيات، وأعرف أيضًا أن تعميمها أمر صعب، لكن الأكيد أن البدء في استخدامها هو ضرورة الوقت الجاري الذي يجب أن نلحق به.