منوعات

يحل مشكلة أمتنا اليوم.. أمين مساعد البحوث الإسلامية يكشف جانبا مهما من حياة النبي- حوار

كتب- محمد قادوس:

بدأ فضيلة الدكتور محمود الهواري، الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، حديثه عن رسول الله ﷺ وقال أن الرسول أكبر من أن يخضع لتنظير يحكمه، أو تفلسف يؤطره، بل التنظير مأخوذ من حياته، ولكن كلامنا هنا نوع من إبراز مجالات التأسي والاقتداء فيما تمس الحاجة إليه، والله عز وجل أمرنا أن نتأسى به ﷺ فقال سبحانه: «لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وقد اكتملت في نبينا ﷺ جوانب الحياة، فقد كان شابا، ورجلًا، وزوجًا، وأبًا، وجدًّا، وصديقًا، وعابدًا، وعاملًا وغير ذلك من أدوار الحياة؛ ولذلك فإنَّ كلَّ إنسانٍ يجد قدوته فيه ﷺ.

وقال الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، الحقيقة نحن نتكلم كثيرا عن معاني الرحمة والحكمة والصَّبر واللُّطف وغير ذلك من صفات خلقية بلغ فيها رسول الله ﷺ الكمال، ولكن في نبينا ﷺ جانبٌ حياتيٌّ تطبيقيٌّ عمليٌّ لا ينبغي أن يُهمل ذكرُه وإبرازه للنَّاس.

وأضاف الهواري في حوار مع مصراوي: نحمد الله عز وجل على أنَّنا من أمَّته، ونسأل الله تعالى أن يرزقنا الصِّدق في محبَّته، واتِّباع سنَّته، والفوز بشفاعته، والسُّكنى معه في الجنَّة. وثانيًا: نعم، كلَّما أهلَّ هلال شهر ربيع الأوَّل ذكرنا بميلاد البشير النذير، وأيضا يذكرنا بوجوب البراءة من التقصير.

أما تذكر ميلاده فأمر واجب لما يتبع الميلاد الشريف من جملة خصائص صاحب الميلاد وشمائله وسيرته.

وإذا كان الناس يتكلمون يوم الميلاد في كثير من الجوانب الدينية والخلقية لسيدنا رسول الله ﷺ فإن بعض جوانب حياته وبعض صفاته مظلومة في الحديث عنها، وتحتاج إلى إبراز؛ لأنه ﷺ أسوة حسنة في كل مجالات الحياة.

وأمَّا البراءة من التَّقصير فأن نراجع موقفنا منه ﷺ ونتبيَّن مدى التزامنا بما جاء به من أنوار الوحي.

ونصح الأمين العام المساعد، لا بد أن نعرف أن النبي ﷺ هو القدوة الحقيقية لكلِّ محبٍّ.

والله عز وجل أمرنا أن نتأسى به ﷺ فقال سبحانه: «لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وقد اكتملت في نبينا ﷺ جوانب الحياة، فقد كان شابا، ورجلًا، وزوجًا، وأبًا، وجدًّا، وصديقًا، وعابدًا، وعاملًا وغير ذلك من أدوار الحياة؛ ولذلك فإنَّ كلَّ إنسانٍ يجد قدوته فيه ﷺ.

وفي الحقيقة نحن نتكلم كثيرا عن معاني الرحمة والحكمة والصَّبر واللُّطف وغير ذلك من صفات خلقية بلغ فيها رسول الله ﷺ الكمال، ولكن في نبينا ﷺ جانبٌ حياتيٌّ تطبيقيٌّ عمليٌّ ينبغي أن يعرفه النَّاس.

وأوضح، أن حياة سيدنا رسول الله ﷺ معروفة، وليس عندنا ما نخفيه من حياته الشريفة، والصحابة نقلوا كل شيء منها، وسيرته غنية بالمضامين النافعة، لكنها تحتاج إلى تأمل لاستنباط الأحكام والدروس والعبر.

وأشعر أحيانا أن من يتناولون السيرة يظلمونها حين يتناولون جانبا منها دون جانب، وكأنهم لا يريدون أن يتجاوزوا صورة رسول الله ﷺ وهو يقوم اللَّيل حتَّى تتفطَّر أقدامه، أو حين يعدون له في المجلس الواحد استغفارا كثيرا، أو حين ينفق المال فلا يخشى الفقر، وكأنَّما يحصرونه في صورة المصلي الذاكر فقط، دون أن يشيروا إلى تفاعله مع الحياة وما فيها.
وقطعًا لم يكن النَّبيُّ ﷺ منعزلًا عن الحياة، ولا منقطعًا عن أحداثها وحركتها الموَّارة اجتماعًا، واقتصادًا، وسياسةً، وفهمًا لطبائع النَّاس وأفكارهم.

وتساءل كيف يكون منعزلا وقد كان رب أسرة يجري عليه ما يجري على الناس من أحكام المعيشة.

وكيف يكون بعيدا وقد كان له أتباع وأصحاب لهم أفكار متباينة وعقول متمايزة وطموحات حياتية وآمال معيشية.

وقال الهواري الحقيقة إنَّ التَّعامل مع النَّبيِّ ﷺ وحصره في صورةٍ واحدةٍ دون تأكيد وجوده في كلِّ مجالات الحياة تغييب للصورة الصحيحة لسيدنا رسول الله ﷺ، وبناء على هذا التغييب تصبح معرفة بعض المسلمين في هذا الزَّمان بنبيِّهم قاصرة ضعيفة غير كاملة، وتصبح نظرتهم إليه نظرة سطحيَّة قد تكون سببا في كثير من التَّراجع والخلل في مسيرة الأمَّة.

واستكمل:” الصورة تكون غير كاملة حين نختصر مشاهد حياته ﷺ ونختزلها في صور تعاد وتكرر كل حين دون أن نفهم أن سيرة خير الأنام نموذجٌ كاملٌ شاملٌ لكل جزئيَّة في الحياة من بناء الفرد إلى بناء المجتمع إلى بناء الأمَّة، ولكننا اقتصرنا على جوانب بعينها في السِّيرة النَّبويَّة، وتركنا جوانب أخرى ربما تكون أكثر أهمية، فقدمنا فقه العبادة على فقه الحياة، وفقه السلوك على فقه التفكير والتدبير.

وإذا تأملنا حياة هذا الإنسان المكرم المعظم ﷺ لوجدنا أن هديه ﷺ يقدِّم منهجًا تقوم به الدُّول وتُساس به الشُّعوب وتزدهر به الحضارات، ولكنَّ كثيرًا من النَّاس يتوقف عند مواقف معدودة تشكل تصوره عن رسول الله ﷺ وغالبا ما تنحصر تلك المواقف في الأمور التعبدية.

وهذا التصور خطير؛ لأن القصور في معرفة التَّصور الكامل لشخصية النَّبيِّ ﷺ ينعكس على أداء المسلمين، ويؤدي إلى قصور آخر في الاتِّباع والتَّطبيق.

وأنا أقصد هنا أننا نعرض صورته وهو يقوم الليل حتى تتفطر أقدامه، أو وهو يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، أو وهو لين القول مع من أساء إليه، أو وهو خارج من الطائف بعد أن سبوه وشتموه فيلجأ إلى ربه، وننسى أن نعرض مواقفه وهو يقود أمَّة ويخاطب رؤساء وأمراء، ويسير جيوشًا، ويدير أزمات اقتصادية وسياسية واجتماعية كل ذلك بكفاءة وجدارة واقتدار.

وما يزيد من الحسرة أننا نعرض لشبابنا نماذج من الشَّرق والغرب على اعتبار أنَّهم ملهمون، وأنهم نفعوا البشرية والإنسانية في مسيرتها، وننسى أن الغربيِّين أنفسهم قدَّموا النَّبيَّ ﷺ على كلِّ عظماء التَّاريخ، وانظر على سبيل المثال كتاب مايكل هارت.

وأفاد أن سيدنا رسول الله ﷺ حباه الله بكلِّ صفات القيادة من تميُّزٍ بذكاء وعلم وبصيرة وبُعْد نظر وقوَّة ذاكرة ونشاط وهمَّة، وقدرة عجيبة على صناعة مشروعات الحياة وإدارتها على حدٍّ سواء، وكثير من الصفات التي أكدت مكانته في قلوب النَّاس.

وأشار على أحد أبرز أسباب تخلُّف المسلمين عقديًّا ودنيويًّا أنهم ينظرون إلى سيرة رسول الله ﷺ على أنَّها مجرَّد روايةٍ يستأنسون بها، ويقضون معها الوقت، وقراءة السِّيرة مهمَّةٌ، لكنَّ الأهمَّ أن نقرأها على وجهها الصَّحيح.
وقد قدَّم النَّبيّ ﷺ أمثلة شاملة لجوانب الكمال البشريّ، في تعامله مع زوجاته، ومع أبنائه وبناته، ومع أحفاده وأقاربه، ومع الجيران، والضُّيوف والمستضيفين، ومع أصحابه، ومع شرائح اجتماعيَّة مخصوصة، كالمسلمين الجدد، والمستفتين، والأعراب، والعصاة والمذنبين، والمنافقين، وتعامله مع عموم النِّساء، وكبار السِّن والصِّغار، وذوي العاهات، وذوي الهيئات، والنَّابغين، والأغنياء والفقراء، والمرضى والأصحاء، والأصدقاء والأعداء، بل تعامل مع غير البشر، كالجنِّ والدَّواب.

فقد كان رجلًا يدرك شؤون المجتمع وشؤون النَّفس البشريَّة إدراكًا حكيمًا، يزدان بكفاءة إداريَّة وسياسيَّة وعسكريَّة واجتماعيَّة.

فهو صاحب لأصحابه، وزوج لأزواجه، وأب لأبنائه، وجدٌّ لأحفاده، وقائد معلِّم لجيوشه، مبصر لمكامن الخطر ومفاصل القوَّة في الفرد كما في نسيج المجتمع.

وكان النَّبيّ ﷺ يدعو إلى الله بكلِّ طريقة، فيستعمل القوَّة مع من يناسبه مدخل القوَّة، واللِّين مع من مفتاحه اللِّين، والسِّياسة مع من مفتاحه السِّياسة، وتأليف القلوب مع من تُؤَلَّفُ قلوبهم، وكان دقيقًا في نصائحه وتوجيهاته وكلماته وأحكامه، أو بالمعنى المعاصر كان يملك أدوات «الإدارة الرشيدة» وكان لديه من الكفاءة الإدارية ما يعينه على إتمام مهام الرِّسالة بنجاحٍ.

الكفاءة تُعرف في إدارة الأزمات، وقد كان رسول الله ﷺ رجل المهمات الصَّعبة، وتأمُّل أحداث السِّيرة يكشف عن كفاءته الإداريَّة، ومن أشهر المواقف التي تبرز الكفاءة الإدارية والتخطيط السليم ما كان في رحلة الهجرة، فكانت خطَّة الخروج من مكَّة تخطيطًا بارعًا، يسير إلى الجنوب مع أن المدينة في الشَّمال، فيضلِّل أعداءه، ثمَّ يختار دليلًا ماهرًا يطمئن إليه، ويعمل على توفير «الدَّعم اللُّوجيستيِّ» بمفهوم العصر، فيرتب نقل الأخبار، وتعمية الآثار، وفي الوقت نفسه يرتب من يردُّ الأمانات إلى أهلها في التوقيت المناسب، وغير ذلك من تفاصيل عظيمة.

ثم ما كان في غزوة الأحزاب، حين اجتمع القوم على المسلمين، وأرادوا استئصال شأفتهم، فأتاح حرية الرأي لأصحابه، واستجاد من مشورتهم رأي سلمان الفارسيِّ، وأخذ الفكرة ثمَّ حدَّد المكان الَّذي سيحفر فيه الخندق، والزَّمن الَّذي سيستغرقه وأبعاده طولًا وعرضًا وعمقًا، وكيف يصرف التُّراب النَّاتج عن الحفر والقوَّة البشريَّة اللَّازمة لإنجازه، وتقسيمها بحسب الأدوار.

لقد كان مشروع حفر الخندق مشروعًا قوميا إن صح التعبير، وللأسف قلَّما تُسلَّط عليه الأضواء بحجمه الحقيقيّ وأهميَّته وتفاصيله الكثيرة التي تكشف عن جوانب العظمة المحمدية، فترى سيِّد الخلق الذي قارب على السِّتِّين من عمره وظهر الشَّيب في رأسه ولحيته، يحمل التُّراب بنفسه، وينقله مع العاملين، ويشاركهم العمل دون ترفع ولا احتجاب، ويحلُّ مشاكل تعيقهم كالصَّخرة التي لا تنكسر، فيكبِّر ﷺ ويضربها فتتفتَّت تحت يديه، وهو مع هذا يتابع حاجاتهم، ويعنى بإشباعها.

واستطاع بحنكة القائد وبألفاظه وتوجيهاته أن يحوِّل عملية حفر الخندق إلى عملية إيمانيَّة تربويَّة من أعلى درجات الإيمان والتربية، وهكذا كانت سائر أعماله ﷺ.

وحين تنظر في ألقاب الصحابة التي منحها إياهم تدرك إن النبي ﷺ لديه حس مرهف، وقدرة فائقة على اكتشاف القدرات والمواهب وتوظيفها توظيفا ينفع الأمة؛ ولذا تتنوع اختصاصات الصَّحابة، فيقول: فلان أقضاكم، وفلان أقرؤكم للقرآن، وفلان أعلمكم بالفرائض، وفلان سيف الله المسلول، وفلان أسد الله.. وهكذا، فهو يحيط بقدرات الصَّحابة فردًا فردًا؛ ليصنع منهم أعمدة بنت دولة الإسلام، وبهذه المعرفة كان يوجِّه الصَّحابة لأداء أدوارهم أيضا بحسب الكفاءة.

ومن أروع الأمثلة على ذلك ما وقع في بناء المسجد النبوي في المدينة، حين وزع الأدوار بين من ينقل الطُّوب، ومن يصنعه، ومن يحمل الحجارة، وهكذا.

لو تأمَّلنا واقعنا لوجدنا أنَّ مشكلة أمَّتنا اليوم مشكلةٌ إداريَّةٌ في المقام الأول، فالأمَّة لا تنقصها موارد، ولا تنقصها عقول، فلديها البترول والمعادن والمناجم والأنهار والأرض والمناخ، ولديها المتخصِّصون في كلِّ فنون العلم، والأمَّة تحتاج إلى إدارة هذه الموارد، وتوافر هذه العقول على العلوم والإعمار بكلِّ صوره.

ونسأل الله أن يرزقنا ويرزق الأمَّة كلَّها من أخلاق نبيِّنا ﷺ وشمائله النَّصيب الأوفى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى