هل تكون مفتاح الوصول لمدفن الإسكندر.. لغز أغرب مقبرة أثرية في الإسكندرية (صور)
10:48 م
الإثنين 01 أبريل 2024
الإسكندرية – محمد البدري:
تصوير: مصراوي
رغم مرور 117 عاما على اكتشافها في الإسكندرية، مازال يسعى باحثون إلى كشف لغز المقبرة الغامضة الواقعة داخل مقابر اللاتين بمنطقة الشاطبي، وتحمل اسم “مقبرة الألباستر” أملا في كشف هوية صاحب المقبرة لعدم وجود نقوش أو رسومات تبين اسم صاحبها.
المقبرة التي اكتشفت عن طريق الصدفة عام 1907 شكلت لغزا محيرا للباحثين بداية من محاولات تحديد هوية صاحبها المفقود وصولا إلى اختلاف طريقة تأسيسها ومكوناتها إذ شيدت بالكامل من خام المرمر الثمين الذي أكسبها لقب “مقبرة الألباستر المرمرية”، وبلغ الغموض ذروته عندما فتح احتمالات أن تكون المقبرة مفتاح الوصول إلى مقبرة الإسكندر الأكبر.
مصراوي رصد عن قرب “مقبرة الألباستر المرمرية” خلال جولة أجراها بمدافن اللاتين بمنطقة الشاطبى وسط الإسكندرية، لتسليط الضوء على لغز المقبرة والمعلومات المعروفة عنها حتى الآن مستعينا بعدد من المراجع التاريخية وآراء باحثين متخصصين في تاريخ المدينة الساحلية، يبرزها في التقرير التالي.
موقع المقبرة
تقع هذه مقبرة الألباستر بالإسكندرية في الناحية الشمالية من جبانة اللاتينالحالية الواقعة في منطقة الشاطبي، ووفقا لطبيعتها تُؤرخ إلى الفترة بين أوائل القرن الثالث قبل الميلاد ومنتصف القرن الثاني قبل الميلاد بما يزامن العصر البطلمي.
اكتشاف بالصدفة
وفقا للباحثة الأثرية منى عبدالله، اكتشفت المقبرة عن طريق الصدفة عام 1907 أثناء أعمال توسعة مقابر الكاثوليك اللاتينية التي كانت موجودة بهذه المنطقة، وخلال ذلك جرى العثور على قطع من الألباستر الثمين – المرمر- المكون لجسم المقبرة وكانت عبارة عن أجزاء مفككة وجدت على عمق يترواح بين مترين وثلاثة أمتار تحت الأرض، واكتسبت المقبرة اسمها من نوع الأحجار المكونة منها.
لماذا لقبت بالمقبرة المرمرية؟
شيدت المقبرة بالكامل من خام المرمر الثمين الذي أكسبها لقب “المقبرة المرمرية”؛ والمرمر يسمى أيضا بخام “الألباستر” وهو حجر ناعم الملمس يوجد في الطبيعة بالألوان المختلفة ويتميز بدرجة صلابة منخفضة ليسهل تشكيلة، وكانت تعتبر المنحوتات
المصنوعة منه حكرا على الأثرياء قبل اكتشاف الرخام.
الوحيدة من نوعها.. ميزة فريدة منحتها الشهرة
تعتبر المقبرة المرمرية الوحيدة في الإسكندرية المبنية فوق سطح الأرض وليست محفورة أو منحوتة تحت سطح الأرض كما هو معتاد في أغلب المقابر، وذلك بعكس بقية مقابر الإسكندرية التي تأخذ شكل الفناء
المحاط من جميع الجهات بحجرات تنتهي بفتحات للدفن، كما أنها تعد الأثر البطلمي الوحيد الذي يتكون
بالكامل من خام الألباستر الثمين.
أثارت فضول الباحثين
وفقا للمراجع التاريخية؛ كان عالم الآثار الإيطالي “إيفاريستو بريشيا” يشغل منصب مدير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية، وقت اكتشاف المقبرة؛ وجرى إبلاغه بالاكتشاف ليبدأ بمعاينة قطع الألباستر المعثور عليها مع لجنة من الآثاريين، واستكمل الحفائر إلا أنه لم يصل لشي ليوقف البحث بعدها واكتفى بتوثيقها في السجلات الأثرية.
وبعد مرور نحو 25 عاما من تاريخ الاكتشاف جذب غموض المقبرة اهتمام العالم الأثري “أدرياني” ليبدأ دراستها والعمل على ترميمها بالكامل خلال فترة الثلاثينات حتى نجح في إعادة تركيبها من جديد بنفس الشكل الذي كانت عليه قبل أكثر من ألفين سنة.
إسهامات “أدرياني”
استمرت فترة ترميم المقبرة وإعادتها إلى صورتها الأولى قرابة 7 أعوام في الفترة بين عامي 1936 و1943، تمكن خلالها “أدرياني” من وضع الكتل البنائية في مكانها، وأنشأ سلما في الجهة الجنوبية
من المقبرة وعمل على إعداد المنطقة المحيطة
للزيارة ووضع بها مجسات كشفت عن وجود
بئرين للماء أحدهما يعود للعصروالبطلمي والآخر للعصر الروماني ويرجح أن الآبار لغرض توفير المياه لري الحدائق المحيطة بالمقابر.
ملك مجهول وحجرة مفقودة
نظرا لكونها المقبرة الوحيدة من العصر البطلمي المبنية من خام المرمر الثمين رجح الباحثون أنها تخص أحد أفراد الأسرة البطلمية الحاكمة حيث توضح أعمال البحث أن المقبرة مقدونية ملكية، إلا أنه لم يتم العثور على أي علامة تدل على هوية صاحب المقبرة ولم
يتم العثور على حجرة الدفن منذ وقت اكتشافها وإعادة ترميمها، ويُعتقد أن الغرفة المفقودة تحتوي على تابوت
الدفن والنقوش الدالة على الشخصية الملكية التي أنشئت من أجلها المقبرة.
حلم الإسكندر وخيط الوصول لملوك البطالمة
أثارت المقبرة الشكوك حول كونها مقبرة الأسكندر الأكبر أو ملك أو شخصية هامة للغاية في تلك الفترة، كونها تعد الأثر البطلمي الوحيد الذي يتكون بالكامل من خام الألباستر الثمين، في حين واصل “أدرياني” العمل على بحثه الذي ربط بين المقبرة والبحث عن مقابر ملوك البطالمة الذين تولوا الحكم بعد الإسكندر الأكبر إلا أنه لم يعثر على أي شيء آخر يضارع المقبرة في ثرائها.
لغز المقبرة يعيد البحث بعد 91 سنة من اكتشافها
بعد مرور نحو 91 عاما على اكتشاف المقبرة و45 عاما على إعادة ترميمها، عادت أعمال الحفر والتنقيب في الموقع عام 1998 على يد عالم الآثار المصري الدكتور فوزي الفخراني والذي استمر في عمله ثلاث سنوات حتى عام 2001، امتدت خلالها الحفائر على طول الممر الشمالي المؤدي للمقبرة وحولها وصولا إلى أرجاء مشتل البلدية الواقع جهة الجنوب دون الوصول إلى شيء جديد سوى بئر من العصر البيزنطي لا يضاهي ثراء المقبرة.
وفي أواخر عام 2002 أجرى رئيس البعثة الفرنسية الأثرية “جان ايف امبريور” محاولات متكررة مع فريقه في أرض اللاتين وقام بمسحها بالكامل باستخدام الأجهزة الحديثة وذلك حتى منتصف عام 2004، ولم يسفر البحث سوى عن العثور على بعض الأبار التي تعود للعصر البيزنطي مثل البئر الذي كشف عنه الدكتور فوزي الفخراني، شرق المقبرة إلا أنه لم يُعثر على شيء خلاف ذلك.
هل تقود مقبرة الألباستر لمدفن الإسكندر الأكبر؟
غموض المقبرة لم ينته عند كونها فقط لشخصية مجهولة بل وصل إلى إعادة حالة الجدل القائمة منذ سنوات حول البحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر وفرص الوصول لموقعها، خاصة وأن مقبرة الألباستر تقع قرب مدافن اللاتين الرئيسية والتي تعد من الأماكن المحتملة في نظر الباحثين والتي ربما تقود لمقبرة الإسكندر.
ويرى الدكتور إسلام عاصم، أستاذ الإرشاد السياحي والتاريخ الحديث والمعاصر، أن ثراء المقبرة لا يعني بالضرورة أن الإسكندر الأكبر دفن بها، مستشهدا بواقعة اكتشاف تابوت الإسكندرية الضخم بمنطقة سيدي جابر قبل نحو 6 سنوات، والذي أثار آنذاك العديد من التكهنات حول الإسكندر المقدوني لاسيما أن التابوت المعثور عليه كان الأكبر حجما المكتشف في تاريخ المدينة، فيما يرى من جانب آخر أن “مقبرة الألباستر ” قد تكون مفتاحا للوصول إلى مقبرة مؤسس مدينة الإسكندرية.
وقال “عاصم” لـ مصراوي إن أحد الآراء المتداولة بين الباحثين تشير إلى أن “مقبرة الألباستر” تخص أحد ملوك البطالمة أو كبار رجال الدولة الذين تولوا الحكم بعد وفاة الإسكندر المقدوني خاصة وأن تاريخ المقبرة يرجع إلى نحو 2300 سنة وهي نفس الفترة التي عاصرها الإسكندر وفقا للمعروف تاريخيا.
وأضاف أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر؛ أنه على الرغم من عدم وصول الباحثين إلى موقع مقبرة الإسكندر، إلا أن هناك فرصة أمامهم باتخاذ “مقبرة الألباستر” نقطة بداية للبحث من زاوية أخرى تتمثل في الوصول إلى مقابر البطالمة الذين حكموا مصر والذين يُرجح أن يكونوا قد شيدوا مقابرهم قرب مقبرة ملكهم الأول – الإسكندر المقدوني – لأنهم اعتبروه إله بعد وفاته، وذلك ما يعزز من فكرة ارتباط مقابر البطالمة بمقبرة الإسكندر الأكبر.
قائمة المراجع
“كتاب الإسكندرية القديمة وضواحيها والجهات القريبة منها، محمود باشا الفلكي؛ كتاب آثار مصر في
العصريين اليوناني والروماني، الدكتور عزت زكي حامد قادوس؛ كتاب الإسكندرية القديمة العالم في مدينة، الدكتورة منى حجاج؛ كتاب الإسكندرية القديمة وآثارها، عزيزة سعيد محمود”.