هل انتهى عصر التنظيمات الدولية (١)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يُعرف القرن العشرين بأنه عصر التنظيمات الدولية بجدارة. فقد نشأت تلك التنظيمات بسبب احتياج المجتمع الدولي لتنظيم شئونه السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث ساهمت الثورات التكنولوجية المتعاقبة في زيادة التخصص في العمل ومن ثم زيادة اعتماد الدول على بعضها البعض مما اقتضى ضرورة التفكير في أطر قانونية وتنظيمية لضبط تلك العلاقات بما يحقق العدالة والاستقرار والسلام والتنمية.
وعادة ما تنشط فكرة تكوين تنظيمات إقليمية ودولية عند اندلاع أزمات أو نشوب حروب أو وجود كوارث طبيعية، حيث يجد المجتمع الدولي نفسه في حاجة للمساندة والترابط والتعاون للتغلب على تداعيات وآثار تلك المشكلات فيكون التنظيم الدولي حلاً مناسباً لبناء التوافق والتغلب على المعوقات.
ويزخر التاريخ الدولي منذ بداية القرن العشرين بالعديد من الأمثلة لتلك المشكلات التي استدعت أهمية وجود شكل تنظيم دولي ما لإيجاد حلول لها. مثال على ذلك الحرب العالمية الأولى ونشأة عصبة الأمم المتحدة، وأزمة الكساد الكبير والحرب العالمية الثانية ونشأة البنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي ثم منظمة التجارة العالمية. وعقب ذلك بدأت التنظيمات الدولية تأخذ شكلا ً تخصصياً يعالج مشاكل وأزمات العمل والصحة والتعليم والثقافة والطفولة مثل منظمات العمل الدولية والصحة العالمية واليونسكو واليونسيف على التوالي.
والملفت للنظر أن الأسباب السياسية التي استدعت قيام وعمل تلك التنظيمات الدولية هي ذاتها التي تعرقل وتهدد عملها واستمرارها. فلا تخلو أي منظمة دولية – حتى التخصصية منها- من اعتبارات وتوازنات سياسية تؤثر على قراراتها. ومثال ذلك الاعتبارات السياسية التي أثرت على عمل منظمة الصحة العالمية في إدارة والتعامل مع أزمة كوفيد-١٩. وأيضاً الخلافات والجدل المستمر في منظمة العمل الدولية بسبب العقائد السياسية التي تحكم وتوجه علاقات العمل في الأنظمة السياسية المختلفة.
كما تؤكد التطورات الدولية مع مطلع الألفية الثالثة واتخذت أشكالاً مختلفة كالتطرف والإرهاب والعقوبات الاقتصادية وتعطل سلاسل الامدادات واندلاع أزمات سياسية ممتدة على عدم قدرة المنظمات الدولية المختلفة على حلها ووضع حد لتوسعها واستمرارها. وتكفي الإشارة إلى عجز الأمم المتحدة في حل القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن العشرين وعدم قدرتها على إرغام سلطة الاحتلال الإسرائيلي على التنفيذ والامتثال لقرارات الجمعية العمومية وقرارات مجلس الامن الدولي. بالإضافة إلى تعثرها في حل الأزمة النووية الإيرانية، وأخيراً وقف الحرب الروسية الأوكرانية والحرب الحالية في السودان. كل ذلك في ظل تصاعد عدد القتلى والضحايا، ناهيك عن الخسائر الاقتصادية والمالية.
أعتقد أنه حان الوقت للنظر في جدوى تلك التنظيمات الدولية والتفكير فيما إذا كانت تقوم بالمهام والأدوار التي أنشأت من أجلها وفي مقدمتها تحقيق السلام والاستقرار والتنمية، هذا بالإضافة إلى مناقشة كيفية النهوض بها ومقاومة تسييسها. وهذا ما سيتم مناقشته في الجزء الثاني من هذا الموضوع.