منوعات

هؤلاء رجال

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

غرد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، فقال في سطور كتبها على منصة إكس خلال أيام العيد، إن قلبه محطم وهو يرى الملايين في السودان، وغزة، وفي غيرهما من الأماكن حول العالم، محاصرين بين الصراع وبين الجوع.

كان جوتيريش يتمنى لو استطاع أن يهنئ هؤلاء الملايين من الناس بالعيد وبغير العيد، ولكنه لم يعرف كيف يهنئهم بينما هُم في حالة من الضياع غير مسبوقة.

فالحرب في السودان دخلت عامها الثاني في الخامس عشر من هذا الشهر، وهي حرب ليست ضد عدو يرغب في غزو البلاد، ولا هي حرب ضد خصم يريد الاستيلاء على ثروات السودانيين، ولكنها حرب بين فريقين سودانيين !

يتقاتل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي أنشأها عمر البشير لا سامحه الله ولا غفر له، بينما الملايين من السودانيين يدفعون الثمن، إما في صورة نزوح من منطقة سودانية، إلى منطقة أخرى يظنونها آمنة أكثر، وإما في صورة لجوء إلى دول مجاورة، وفي الحالتين لا تكاد تصدق أن هؤلاء النازحين واللاجئين مواطنون سودانيون .

لا تكاد تصدق لأن السودان اشتهر بيننا بأنه سلة غذاء العالم، فإذا بنا نرى أن الكثيرين من أهل هذه السلة يموتون من الجوع، أو نراهم مرشحين لذلك.. إن في السودان أرضاً خصبة ليست موجودة في بلد أفريقي آخر، وفي السودان نهران أحدهما النيل الأبيض القادم من الجنوب، وثانيهما النيل الأزرق القادم من أثيوبيا في الشرق، وعند العاصمة الخرطوم يلتقي النهران، فتبدو هذه العاصمة وكأنها تقف على طرفي النهرين.

ولم يكن كثيرون يعرفون أن في باطن السودان الكثير من الذهب، ولكن العالم كله عرف ذلك حين خرجت قوات الدعم السريع إلى الصورة، وحين تبين أنها تأخذ هذه الذهب وتصدره، وحين تبين أن عوائده ضخمة .

وإلى جوار الأرض، والماء، والذهب، توجد معادن أخرى، ومع ذلك، فحال السوداني ليس هناك ما هو أشد بؤساً منه، وقد وصل بؤسه إلى جوتيريش في مقره في المنظمة الدولية، فكتب على صفحته يتعاطف مع السودانيين ويتمنى لو يستطيع فعل شيء لهم، ولغيرهم، ممن يواجهون الجوع والحرب والفقر !

وسوف يبقى هذا الرجل البرتغالي رجلاً شجاعاً، حتى ولو لم يستطع تقديم شيء لكل هؤلاء، فهو منذ بدء الحرب على قطاع غزة يقف الى جوارها ولا يبالي كثيراً بالهجوم الضاري الذي تشنه عليه اسرائيل منذ بدء حربها على القطاع .

يقف جوتيريش في الصف نفسه الذي وقف فيه الدكتور بطرس غالي من قبل، وكذلك وقف فيه داج همرشولد من قبلهما.. فالدكتور غالي لم ترهبه الدعاية الاسرائيلية وقت أن كان أميناً عاماً، فنشر تقريراً عما قام به شارون من مذابح في قانا اللبنانية.. أما همرشولد فكان أول الأمناء العامين الشجعان، عندما وقف ضد العدوان الثلاثي على مصر في ١٩٥٦ ولم يقبل بالحلول الوسط .

وحين فقد حياته في حادث تحطم طائرته بعدها، وكان ذلك أثناء رحلة عمل له في القارة السمراء، قيل ولا يزال يقال إنه دفع ثمن موقفه الشجاع، وإنه حفر اسمه في قائمة الشجعان .

هؤلاء رجال شجعان ثلاثة، ولا بد أن نظل نشير إليهم، حتى لا يفقد الناس الأمل، وحتى يعلموا أن الدنيا لا تخلو من الرجال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى