مهند البكري: القرار السياسي يحتاج إلى الإيمان بأن السينما اقتصاد وثقافة
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
في الجزء الأول من حواري مع مهند البكري، مدير الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، الذي التقيته في الدورة الأخيرة – الثالثة عشرة – من مهرجان مالمو للسينما العربية المنعقد بالفترة الممتدة بين ٢٨ أبريل – ٤ مايو الماضي. تحدثنا عن السبل المختلفة التي تقدمها الهيئة الملكية الأردنية لمساندة صُناع الأفلام وبناء كوادر قادرة على التنافس على المستوى العالمي في كافة عناصر الفيلم. في ذات الوقت العمل على تكريس كل فرصة لتشجيع الشراكات الأردنية على المستوى الدولي وكذلك العربي، مثلما لم يكف هو نفسه عن إقناع المسؤولين بمنح هذه الصناعة مزيداً من الدعم والرعاية، لدرجة أنه نجح في إقناع الحكومة في رفع الضرائب عن المنتجين مؤكداً على تحقيق مردود اقتصادي للبلد، وقد أثبت أنه نموذج ناجح وعملي وجاذب للسياحة والاستثمار في مجال السينما. إنه الإيمان بالفن السابع، لكن أعتقد أن هذا الإيمان والحماس والشغف لا يمكن فصله عن دراسته لعلم الاجتماع والآثار، وأعتقد أن الأردن محظوظ به. بهذا الجزء يستأنف حديثه عمن المردود من تيسيرات التصوير الأجنبي في بلاده فيقول:
مهند البكري: هناك نموذج آخر أحب أن أذكره، مثلا The Martian «المريخي» – ٢٠١٥ – للمخرج ريدلي سكوت، والذي يحكي عن بطل يعيش في فقاعة. تم تصويره في الأردن، في وادي رام المعروف بتاريخه منذ الثورة العربية إلى اليوم. بعد أن تم تصوير الفيلم في الأردن ارتفعت نسبة السياحة في وادي رام ٤٠٠٪. لماذا؟ بسبب نسبة المشاهدة المرتفعة للفيلم في مختلف أنحاء العالم، فحقق دعاية للوادي، لأن زيارته أصبحت تجربة يُحب أن يجربها السياح، فمعظم المخيمات كانت إما مخيمات أو بيوتاً من الشعر، فصارت على شكل فقاعات.. هذا تطوير للمكان لأن كل شخص يذهب هناك يُريد أن يحصل على هذه الخبرة التي عاشها بطل الفيلم .. وهذه دعاية مجانية عالية جدا.
o وماذا عن فيلم Aladdin «علاء الدين» في ٢٠١٩؟
ويل سميث حينما صور الفيلم في الأردن، ففي كل برامج التوك شو الأمريكية التي تحدثت معه والتي يُشاهدها كل العالم – وبدون أن نطلب منه – كان يتحدث عن أماكن التصوير في الأردن، لأنه كانت لديه خبرة وتجربة جيدة جدا في الأردن. حكي في خمسة أو ستة برامج توك شو عن الأردن، وعن وادي رام، وعن زيارته لمركز سرطان الأطفال، وكيف تم الترحاب بطواقم العمل، وكيف كانت الأمور منظمة ومريحة لهم، فهو أعطي للأردن أكثر من ستة عشر مليون دولار دعاية مجانية للأردن. لأن كل 30 ثانية بمثل هذه البرامج تكلفتها ربع مليون دولار.
o أصبحت هناك ثقة في المنظومة الأردنية؟
الحمد لله، هذا صحيح. ففيما يخص الأفلام، نحن لا نعد بما لا نستطيع أن نفعله. كانت بعض المشاريع تأتي للتصوير الخارجي فقط، ثم تذهب إلى مالطا أو إلى يونان لتقوم بالتصوير داخل استديوهات، فقمنا ببناء استديوهات حتى يجدوها فيقوموا بالتصوير ولا يتركوا الأردن. لأن هذا يعني أنهم سوف ينفقون أموالاً، وسوف يقومون بتشغيل عمالة.
o يبدو أن الحكومة لديها الوعي بأهمية السينما، ولا تتعامل معها على أنها فقط ترفيه.
الحق أن الحكومة تتفهم الآن، والوزراء يتفهمون الآن قيمة الأفلام، ليس فقط قيمتها الثقافية والسينمائية، ولكن أيضا قيمتها على المستوى الاقتصادي.
o والمثير للتساؤل أن المخرج المصري محمد دياب يقوم بتصوير مشاهد مصرية في الأردن.
محمد دياب جاء وسألني: من فضلك أريد رؤية الأماكن التي تشبه مصر في الأردن، لأن لدي مشروعاً عن مصر، وأريد التصوير فيها. فأخذته إلى أماكن تشبه مصر في الأردن، كأنها مصر، فجاء وقام بالتصوير في الأردن. طبعاً الحمد لله أن هذا يتحقق بفضل الدعم الذي نحصل عليه، لكنه أيضا بفضل الجهد الذي تقوم به الكوادر وأفكارها، فهي تعمل بقلبها ولا تدخر جهداً. كذلك كثير من الكوادر الأردنية أيضا تذهب إلى السعودية للعمل على مشاريع محلية وعالمية، فالسعودية والأردن تعملان على أن يكون بينهما علاقات تعاون صحية جداً، ونبحث كيف يُمكن أن يكون هناك، لن أقول تنافساً، ولكن أيضا المهم أن يكون هناك تشارك.
o طبعاً جهود الكوادر مُقدرة ولها الفضل، لكن إحساسي أن هناك تكاملاً مع القرار السياسي والإيمان بأن السينما تلعب دوراً في النهضة المجتمع اقتصاديا وثقافيا.. لأنه كان من المحتمل أن تكون هناك كوادر تبذل كل طاقتها ولا يستجيب لها صناع القرار السياسي، وكان من المحتمل أن يكون هناك قرار سياسي لكنه لا يُؤدي لهذه النتيجة لو غابت مثل هذه الكادر الذكية في التخطيط والتعامل والاستجابة للوضع العالمي.
رجال الحكومة قادرون على أن يفهموا القيمة الاقتصادية القادمة من وراء الأفلام، كثير من الأفلام والمشاريع الأردنية يظهر من حولها انتقادات. أعتقد أن هذا أيضا دور الفيلم والسينما أن يثير الحوار ويفتح النقاش والجدل حول ما إذا كان هذا الفيلم يشبهني أم لا ولماذا؟ وهذا كان جزءاً من عمل ودور الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، فمنذ بداياتها كان هناك جزء من الدعم موجه للإنتاج المحلي. الجزء الثاني وهو الخاص بالتدريب والذي نمر من خلاله في كافة تفاصيل العملية الفنية والتقنية، والجزئية الثالثة وهي من أهم الجزيئات وهي ثقافة الأفلام.. فطول السنة نعرض أفلاماً من كل أنحاء العالم، ليس فقط من أجل الصور المتحركة، ولكن أيضاً حتى يكون صانع الفيلم موجودلً، ليحكي عن الفيلم، وعن تجربته، إنها ليست فقط عن التعليم ولكن عن الوعي، أنا لم أكن أعرف عن ثقافة الكازاخستاني، لكن عند قدمنا أسبوع الفيلم الكازاخستاني، صرت أعرف، وكذلك أسبوع الفيلم الأوكراني، وغيره؛ لذلك عندما نقيم أسابيع الأفلام نتعرف على هذه الثقافات ومن هنا تظهر أهمية مهرجان عمان الدولي للأفلام.
o الحقيقة لابد أن أحييكم على جهودكم لأنها تستند على الدراسة المخلصة، على شغف وايمان حقيقي بدور السينما وتأثيرها على الآخر، وأعتقد أن دراستك لعلم الاجتماع والآثار لعبت دورا مهماً في ذلك.
الأساس في شغل الهيئة أن نعطي الفرص أينما كنا، فالهيئة مركزها عمان، لكن لدينا ثمانية مراكز أخرى، عندي مركز في وادي رام الذي يتم فيه دائما التدريب للكوادر المحلية، فبدلا من أن أُحضر الناس من عمان إلى وادي رام، أقوم بتكوين كوادر في وادي رام من أهله. لأن أهل وادي رام أنفسهم الآن يُدركون ليس فقط أهمية الوادي ويحافظون عليه ليس فقط لأنه تراث إنساني – وفق تصنيف اليونسكو – ولكن أيضا لأنه مصدر دخل لهم، ليس فقط من السياحة، ولكن فعليا أيضاً من وراء هذه الصناعة الضخمة، صناعة السينما أو الترفيه. لذلك نتحدى بخلق مراكز في الشمال، في الوسط، في الجنوب.. وهذا ما تعلمته من السوسيولوجي أو علم الاجتماع، بأنه لا تتركز في مكان واحد، وتعطي الفرص لكل من تستطيع أن تصل إليه. فطالما كنا قادرين على أن نصل إلى المدارس والجامعات والمجتمعات المحلية فهذا يخلق الثقة بيننا وبينهم.
o وماذا عن طموحك وأحلامك في الخمس سنوات القادمة سواء للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وللمهرجان؟ أعتقد أنك تضع خطة للعشر سنوات القادمة وليس فقط خمس سنوات؟
بالتأكيد هذا ما نفعله، ونفكر فيه، ونحكي عن عشر سنوات بالقطاعات الاقتصادية المختلفة بالأردن، ومنها صناعة الأفلام، فأتمنى للفيلم الأردني بالدرجة الأولى، وكذلك المسلسل، أن ينجح في أن يأخذ الحيز ويستطيع الوصول إلى الجمهور العالمي، والذي أعتقد أننا قادرون – بدرجة معينة – أن نصل إليه، لكنني أطمح إلى المزيد وإلي ما أكثر، أتمنى أن يكون هناك شراكات عربية عربية في الإنتاج السينمائي، وذلك كما يحدث من شراكات بين الدول الأوروبية. أقول أن إيمان الحكومات بهذا المشروع مهم جداً جداً. لأنه في بعض المرات يكون هناك قرار سياسي، لكن أيضا «الإيمان» بهذا القطاع مهم جداً، من الضروري الإيمان بأن السينما اقتصاد وثقافة.