من هم الهكسوس موقع
جدول ال
من هم الهكسوس، اختلفت المصادر التاريخية في تحديد هويتهم وموطنهم الأصلي وتعددت الفرضيات حول هذا الموضوع، إلا أنها أجمعت على أنهم اعتلوا عرش مصر مدة تتجاوز الثلاثمئة عام، في فترة ضعف الفراعنة. ليكون حكمهم أول حكم أجنبي عرفته أرض مصر عبر تاريخها، والذي بالتأكيد أيقظ حكامها في ما بعد إلى ضرورة الاهتمام عسكرياً بالجانب الهجومي والتوسع في المنطقة قدر الإمكان، وذلك استباقاً لأي خطر محتمل قد يهدد مصر ويجعلها ضمن مطامع دول الجوار .
من هم الهكسوس
الهكسوس هم بحسب إحدى الفرضيات مجموعة عرقية من البدو والرعاة ، من المرجح أنهم قدموا من وسط وشرق قارة آسيا في حين أن فرضية أخرى تقول أنهم رعاة وبدو من أصول عربية، وقد قدموا من شبه الجزيرة العربية واستقروا في شرق دلتا النيل. في حين أن فرضية ثالثة تقول أنهم أقوام سريو – كنعانية تتكلم اللغة السامية الغربية من أصول أمورية وحورية، قدموا من سوريا في بلاد الشام عبر فلسطين. فقد كانوا يعملون كجنود وعمال. كما كانوا قد تفوقوا على الفراعنة وهزموهم وحكموا مصر مدة طويلة، وجعلوا عاصمة ملكهم في أفاريس التي تقع شمال القاهرة والتي تعرف اليوم باسم (تل الضبعة). في الوقت الذي أثّروا فيه بالحضارة المصرية. كما وتميزوا بالعديد من الاختراعات والاكتشافات. وعلاوةً على ذلك فهم من احتضن سيدنا يوسف عليه السلام وأقاموه أميناً على خزائن الأرض وعادلوه بالملك.كما وسمحوا له بأن يستقدم أهله وإخوته إلى أرض مصر حيث اجتمع من جديد بأبيه سيدنا يعقوب. [1]
معنى الهكسوس
أول من أطلق تسمية الهكسوس هو الكاهن مانيتو ، أول من أرشف لتاريخ مصر القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد، باللغة اليونانية على الأسرة الخامسة عشر وذلك للتفريق بينهم وبين حكام مصر الآسيويين، حيث تكتب كلمة هكسوس باللغة الهيروغليفية وهي لغة المصريين القدماء على النحو التالي: HqA – xAswt وتعني حاكم ( وحكام الأراضي الأجنبية ) إلا أن المؤرخ فلافيوس يوسيفوس قد حرّف ترجمتها لتصبح (الحكام الرعاة ). كما ولقب حاكمهم حقاو – خاسوت والتي تعني(الحاكم الأجنبي ). في حين أنه في إحدى التفسيرات، هكسوس تعني ( هك – سوس ) = ( هك = حق سوس = حصان ) = ( حق الحصان ) = ( مالك الحصان ) = والذي ترجمته ملوك الخيل. [1]
أشهر الملوك والحكام
الهكسوس هم من حكموا مصر لما يزيد عن ثلاثة عقود. سيطروا فيها على منطقة وادي الدلتا ومصر الوسطى حتى أن نفوذهم امتدّ حتى بلاد الشام. كما وأسسوا فيها الأسر الحاكمة ، وبحسب ما ذكره المؤرخ مانيتو فقد حكمت مصر ثلاثة أسر من الهكسوس: وهي الأسرة الخامسة عشر من خلال ستة ملوك، و السادسة عشرة من خلال اثنين وثلاثين ملكاً، والسابعة عشرة. والجدير بالذكر أن الأسرة الأخيرة ليست هي السابعة عشرة. كما توالى على الحكم ثلاث وأربعين ملكاً، ومن ملوك الأسر الهكسوسية أيضاً نذكر: ششي ، عبر – عنات، سمقنو، سخينر، يكبم ، والذي يعرف باسم مر وسر ويعقوب – حار . كما وتظهر في أسماء بعض ملوكهم مقاطع معروفة في الأسماء الكنعانية في سوريا مثل إيل وعنات . في الحقيقة أن الهكسوس قد بلغوا خلال حكم الأسرة الخامسة عشر أوج عصرهم الذهبي، ومن أشهر ملوك هذه الأسرة :
- صقر – حار: والذي لا تعرف فترة حكمه ويعتقد بأنه أول ملوك الهكسوس.
- خيان: وحكم مصر عام 1629 قبل الميلاد.
- أوفيس الأول: وحكم مصر من عام 1595 وحتى 1555 سنة قبل الميلاد.
- خامودي: ودام حكمه من عام 1555 وحتى 1545 قبل الميلاد.
تفوقهم على الفراعنة
الهكسوس هم من أغنوا الحضارة المصرية ورفدوها بمعارف لم تكن سائدة قبلاً. فقد عرفوا التعدين قبل غيرهم من الأقوام . واستخدموا الحديد في الكثير من مصنوعاتهم، وكانوا بحارة ماهرين بعلم الأنواء .كما برعوا في صناعة السفن، لا سيما الحربية منها. وهم أول من صمم العربات التي يجرها حصان التي ينقل عليها الجنود. فالهكسوس يختلفون عن المصريين القدماء بشكل جوهري. فحتى أسماؤهم لم تكن مصرية، وطريقة ملبسهم كانت مختلفة. كما وأن الأعمال الفنية والآثار القديمة التي عثر عليها في الأفاريس، تصورهم وهم يرتدون الملابس الطويلة المتعددة الألوان، فقد عرفوا الأصبغة، وهذا ما يرجّح أصولهم الكنعانية . على عكس الملابس المصرية التي كانت سائدة ، والتي كان يغلب عليها اللون الأبيض. [2]
الهكسوس في القرآن الكريم
بيّن القرآن الكريم الفرق بين من هم الهكسوس ومن هم الفراعنة في آياته البينات . في الوقت الذي مازال الكثيرون يعتقدون أنهما واحد. نجد أن القرآن الكريم عندما يتحدث عن الفراعنة، وخاصةً الحكام منهم يتحدث عنهم بلقب ( فرعون ) دائماً . في حين عندما يتحدث عن حكام مصر من الهكسوس، فنجده يتحدث عنهم بلقب ( ملك ). وهذا واضح في قصتي سيدنا يوسف وموسى عليهما السلام. كما في قوله تعالى : [1]
- { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُم }.
- { نتلوا عليك من نبأِ موسى وفرعون بالحق لقومٍ يؤمنون }.
- وفي قوله: { وَقَالَ الْمَلِكُ إنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَر يَابِسَاتٍ } .
مما يعني بأن حكّام مصر وقت سيدنا يوسف لم يكونوا فراعنة بل هكسوس من فلسطين . في حين أن حكّام مصر وقت سيدنا موسى هم فراعنة، استردوا الحكم واضطهدوا بني إسرائيل لأنهم كانوا حلفاء الهكسوس .
جدل حكم الهكسوس لمصر
كثيراً ما روجت بعض المصادر إلى أن الهكسوس شعب همجي، غزا أرض مصر وانتزع حكمها عنوةً ، من خلال الحروب والقتل والتدمير. إلا أن دراسة حديثة توصل إليها علماء الآثار تدحض هذه المزاعم جملةً وتفصيلاً. حيث قامت عالمة الآثار الأكاديمية كريس ستانس في جامعة بورنماوت البريطانية بتحليل أسنان 35 مومياء وهياكل عظمية دفنت في أفاريس لذكور وإناث، بينت بأن “الهكسوس لم يحكموا مصر أو يصلوا إلى كرسي الحكم من خلال العنف أو الحرب”. كما وأضافت : ” فالحقيقة أن الهكسوس لم يغزوا مصر، بل وُلدوا في الأساس على أرضها من جدود مهاجرين، ثم قرروا الاستيلاء على السلطة”، وهي النتيجة الطبيعية لضعف الحكام في كل زمان ومكان. وهذا ما دعمته عالمة الآثار الفرنسية ميشيل بوزون المختصة في التاريخ المصري القديم في جامعة بوردو والتي قالت : “قوة الهكسوس الاقتصادية والاجتماعية تصاعدت بشدة على مدار الأجيال”، لدرجة أنهم ربما يكونون قد نجحوا في الاستيلاء على السلطة دون إراقة نقطة دم واحدة”. [2]
تحالف الهكسوس مع ملوك مصر العليا
تشير الدراسات التاريخية حول علاقة الهكسوس بملوك طيبة في الشمال الذين كان حكمهم مستقلاً عن باقي وادي النيل. بأنها تمثل تحالفاً لاقى تأييداً وترحيباً من الملوك . وذلك بحسب مخطوطة كارنافون الأولى التي تُعدّ كتسوية تجيز التنقل والرعي في منطقة الدلتا الشهيرة بتربتها الخصبة، في المناطق التي تخضع لسيطرة الهكسوس. بعد أن اقترح كاموس على أعضاء المجلس الاستشاري التحرك ضد الهكسوس . في حين أن أعضاء المجلس لم يرغبوا في الإخلال بالوضع الراهن إذ جاء ردهم : ” نحن مرتاحون في منطقتنا بمصر. والفونتين (أول الشلال) قوي – في إشارة إلى نهر النيل – ، ونفوذنا بالأراضي الوسطى يصل إلى قوص (بالقرب من أسيوط الحالية ). ويتم حرث أنعم حقولهم من أجلنا، وأبقارنا ترعى في الدلتا. ويتم إرسال الشعير إلى خنازيرنا … ولم يتم انتزاع ماشيتنا … هو يسيطر على أراضي الآسيويين ونحن نسيطر على مصر”.
اقرأ أيضاً: من هم أصل العرب؟ وما معنى كلمة عرب؟ وما هو نسبهم وأقسامهم؟
نهاية الهكسوس بحسب المخطوطات
ذكر المؤرخ أحمد عبد الحميد يوسف فى كتابه ( الأدب المصرى القديم ) عن نهاية حكم الهكسوس على يد الفراعنة ملوك طيبة ما يلي: “هب المصريون بقيادة ملوك طيبة لطرد الهكسوس عن أوطانهم، وكان من أبطال معركة التحرير سقنن رع، الذى قُتل، وأعقبه كاموس الذى وصف المعركة فى لوح كارنارفون إذ قال: “لقد هبطت النيل لطرد الهكسوس بأمر آمون – أحمس الأول – ذي الرأي السديد.. ولقد تقدمني جيشي القوي كأنه جذوة من نار.. وكانت طلائع الجيش من فصائل المازوي، تتقدمه للكشف عن الآسيويين، وتدمير مواقعهم.. وقد أفاض المصريون على الجيش الطعام من كل مكان . وقد وجّهت فصيلة قوية من المازوي إلى الأمام على حين تولّيت بنفسي حصار نبتي بن تيتى في نفروسي، فقد كرهت أن أفلته ففصلت بينه وبين الآسيويين، ثم قضيت الليل على سفينتي.. فلما أسفر النهار انقضضت عليه كالصقر فدحرته فدمرت أسواره وقتلت قومه”. [2]
نهايتهم بحسب الموسوعة الشاملة
يذكر المؤرخ سليم حسن في الجزء الرابع من موسوعته الشاملة “مصر القديمة” عن نهاية وجود الهكسوس في مصر أنه تم بعد استعصاء قاموا فيه دون مقاومة، حيث قال: “إن الهكسوس استعصموا بالجدران، فقرر أحمس الأول أن يُعِد معاهدة يخرج بموجبها الهكسوس بسلام من مصر وكان عدد جيشه 48 ألف جندي. وبالفعل، غادرت تلك الجحافل – البالغ عددها 240 ألف شخصاً – مصر، ليخترقوا الصحراء وصولاً إلى منطقة فلسطين الحالية. كما وأسسوا مدينة جديدة أطلقوا عليها اسم “يودا” والتي نعرفها في وقتنا الحالي باسم “أورشليم” أو القدس. [2]
من كل ما سبق تبين أن الهكسوس هم من حكموا مصر من غير الفراعنة. وقد قصّر التاريخ و بخسهم حقهم في تقديمهم كملوك متحضرين في العالم القديم، عمداً أو سهواً. فمما لا شك فيه أنه قد تم طردهم من مصر لكن الطريقة التي تم طردهم من خلالها لا تزال محل دراسة؛ فربما تكون لوحات المقابر والمعابد والمخطوطات أمراً دعائياً مصريّاً، استخدمه الفرعون أحمس الأول لتوطيد فترة حكمه و الدلالة على كونه مُحارباً شجاعاً حرر مصر.