منوعات

معجزات السيد المسيح

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

المرض تجربة وجودية قاسية تكشف هشاشة الإنسان، وضعف وجوده وعجزه، وتجعله يُعظم بل يُقدس كل من يمنحه الأمل في الشفا، ويضعه في مكانة عالية؛ ولهذا كان الحكماء والأنبياء في كل الحضارات القديمة أطباء للروح والجسد في قومهم ومجتمعاتهم.

الجدير بالتأمل هنا، ونحن نحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح، أن أهم مُعجزاته عليه السلام، كانت مُعجزات شفاء للمرضى من أصحاب الأمراض المُستعصية التي ظهر جليًا عجز الطب في زمانهم عن علاجها جزئياً أو كلياً، وفقْدُ المصابون بها الإيمانَ بقدرة البشر العاديين عن تقديم يد المساعدة لهم.

من أجمل قصص الشفاء التي قرأتها في التراث المسيحي قصة السيدة نازفة الدم مع السيد المسيح عليه السلام، وهي المرأة التي سمعت عن معجزات شفائه للمرضى، فأصبحت على يقين بأنها إن لمست طرف ثوب السيد المسيح شُفيت من أوجاعها ومعاناتها، وتوقف نزف دمها الذي استمر لاثنتي عشرة سنة، أنفقت خلالها كل أموالها على الأطباء دون جدوى.

رُويت تلك القصة في أكثر من موضع بالعهد الجديد، منها “إنجيل لوقا” حيث جاءت حكايتها فيه على النحو التالي:

“وَكَانَتْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ مُصَابَةٌ بِنَزِيفٍ دَمَوِيٍّ مُنْذُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَعَ أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ أَنْفَقَتْ كُلَّ مَا تَمْلِكُهُ أَجْراً لِلأَطِبَّاءِ، فَلَمْ تَتَمَكَّنْ مِنَ الشِّفَاءِ عَلَى يَدِ أَحَدٍ.

فَتَقَدَّمَتْ إِلَى يَسُوعَ مِنْ خَلْفِهِ، وَلَمَسَتْ طَرَفَ رِدَائِهِ؛ وَفِي الْحَالِ تَوَقَّفَ نَزِيفُ دَمِهَا.

وَقَالَ يَسُوعُ: مَنْ لَمَسَنِي؟

فَلَمَّا أَنْكَرَ الْجَمِيعُ ذَلِكَ، قَالَ بُطْرُسُ وَرِفَاقُهُ: “يَا سَيِّدُ، الْجُمُوعُ يُضَيِّقُونَ عَلَيْكَ وَيَزْحَمُونَكَ، وَتَسْأَلُ: مَنْ لَمَسَنِي.

فَقَالَ يَسُوعُ: إِنَّ شَخْصاً مَا قَدْ لَمَسَنِي، لأَنِّي شَعَرْتُ بِأَنَّ قُوَّةً قَدْ خَرَجَتْ مِنِّي.

فَلَمَّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ أَمْرَهَا لَمْ يُكْتَمْ، تَقَدَّمَتْ مُرْتَجِفَةً، وَارْتَمَتْ أَمَامَهُ مُعْلِنَةً أَمَامَ جَمِيعِ النَّاسِ لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتْهُ، وَكَيْفَ نَالَتِ الشِّفَاءَ فِي الْحَالِ.

فَقَالَ لَهَا: يَا ابْنَةُ، إِيْمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ؛ اذْهَبِي بِسَلاَمٍ!”.

وبتأملنا لتلك القصة ولغيرها من قصص العلاج والشفاء التي قام بها السيد المسيح، للاحتجاج على بني إسرائيل وتأكيد قدرته على الإبراء من الأمراض التي عجز الطب عن علاجها، وهي القدرة التي رويت أيضاً بأكثر من موضع في القرآن الكريم، يتضح لنا أمران:

الأمر الأول: أن هؤلاء المرضى كانوا مصابين بأمراض مستعصية على العلاج بمقاييس زمانهم، وقد جربوا كل السبل البشرية في طلب العلاج، ولم يبقَ أمامهم إلا انتظار معجزة إلهية، أي أنهم لم يطلبوا المعجزة الخارقة للعادة إلا بعد أن أخذوا بالأسباب المادية المباشرة.

الأمر الثاني: بعد أن ثبت عجز الطب البشري عن تحقيق الشفاء لهم، يأتي السيد المسيح ليمنح الشفاء بكلمة واحدة أو لمسة واحدة. لكن يسبق حصول تلك المعجزة ضرورة توفر الإيمان الصادق من المريض بقدرة السيد المسيح على فعل ذلك، مثلما هو الحال في قصة السيدة نازفة الدم عندما قال السيد المسيح لها: “يَا ابْنَةُ، إِيْمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ؛ اذْهَبِي بِسَلاَمٍ”.

وهذا يعني أن الإيمان بالإنسان كظاهرة متجاوزة لعالم المادة، واليقين التام بقدرة السماء في لحظات معينة على تقديم حلول غير تقليدية تتجاوز قدرة وسبل أهل الأرض، كان ولا يزال منبع الأمل في حياة الإنسان، وهو الذي منحه دائمًا القدرة على الصبر وتحمل الألم والشقاء وكل صور الابتلاء، أملًا في نيل كرم ورضا وثواب الله؛ وبغياب ذلك الإيمان تصبح حياة الإنسان وآلامه ومعاناته بلا معنى أو مغزى وضربًا من العبث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى