محنة التعليم العالي والتَعَلُم (٢)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يعتبر الطالب الجامعي- شأنه شأن طالب مرحلة التعليم الأساسي – هو المستهدف من العملية التعليمية بشكل رئيسي.
وإذا كان التعليم منحة للطالب توفرها له الدولة أو الأسرة، فإن عملية التعليم والتَعَلُم صارت محنة للطالب وللأستاذ وللأسرة وللدولة.
ففي الماضي تعاملت المنظومة التعليمية الجامعية مع الطالب باعتباره طالب له خصائص واحدة بغض النظر عن النوع ومحل الإقامة والإمكانات المادية، خاصة وأن التعليم الجامعي في معظمه كان ممولاً من الدولة باستثناء جامعة أجنبية واحدة تتلقى مصروفات من الطالب.
ومن الخصائص التي كانت تميز الطالب الجامعي في الماضي الالتزام وتحصيل المواد العلمية التي يدرسها في الجامعة واستخدام المكتبات الجامعية لعمل البحوث العلمية والمشاركة في الأنشطة الطلابية ومنها المسابقات الثقافية والرياضية التي كانت تقام بين الجامعات في القطر المصري.
كما كان الطلاب أكثر معرفة بالظروف السياسية الداخلية والإقليمية والأوضاع الاقتصادية التي تحيط بهم في العالم، حيث كنا نرى قدر من المشاركة السياسية داخل الجامعات من خلال انتخابات الاتحادات الطلابية أو مواقف الطلاب تجاه بعض القضايا الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية أو احتلال العراق. كما ساهمت عمليات العولمة في زيادة هذا الوعي، بالإضافة إلى الثورتين التكنولوجيتين الثانية والثالثة متمثلتين في المعلومات والانترنيت.
إلا أن الطالب الآن لم يعد طالب الأمس، على الرغم من تعاظم الموارد والفرص وإمكانات الوصول لكل ركن من أركان العالم وهو في مكانه. وقد تصبح المقارنة جائرة بين طالب الامس وطالب اليوم بالنظر إلى الموارد والسلع. وقد يعتقد البعض أن كل ما سبق يسهل على الأستاذ مهمة التدريس ويسهل على الطالب واجب التحصيل باعتبار أن الطالب الحالي يعرف أكثر والتَعَلُم عنده أسهل.
إلا أن الواقع مغاير لهذا التصور بشكل ملحوظ. ويشعر أساتذة الجامعات بهذا الاختلاف لأنهم في احتكاك يومي مع الطالب. فطالب اليوم لا يملك شغف التَعَلُم، بل لديه رغبة في الحصول على معلومات سريعة أو قشور منها. وطالب اليوم هو إنسان مشتت، يدور في فلك كم لا معقول من المعلومات والبيانات بمصادرها المختلفة، ومن ثم ليس لديه الاستعداد للتعمق في مصدرر واحد أو مقارنة ما يحصل عليه من معلومات للتحقق منه. كما أن صديق طالب اليوم ليس أصدقائه من حوله ولا في الكتاب، ولكن صديقه هو الهاتف المحمول الذي يلازمه أينما ذهب وحتى أثناء النوم. وهو ما يجعل الطالب في حالة انتباه دائم لكل ما يرسله له الهاتف من إشارات. وكل ذلك ينعكس على درجة انتباهه التي لا تتعدى – وفقا لبعض علماء النفس- لعشرة دقائق! وهو الأمر الذي يضع الأستاذ في تحدٍ مفاده كيفية الإبقاء على الطالب الجامعي منتبها لمدة ساعة ونصف أو ساعتين وفي بعض الأحيان ثلاث ساعات.
في الجزء الثالث سنناقش بعض السياسات التي يمكن أن تسهل عميات التَعَلُم للطالب بحيث تحول من محنة إلى منحة وأمر مفيد.