مجدي الجلاد يكتب.. سيناءُ في مؤامرة “زاوية الحَلبة”..!
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
ثمة لحظات فارقة في حياة الأمم وتاريخها، لن يرحَمك فيها التاريخ.. مواقفُ لا يجوز أن نواجهَها بأنصَافِ الحلول، أو مواءَمات السياسة، أو تخاذُل المصالح.. تحدّيات مصيرية، لا تقبل أن نغضّ الطرف عن وضوحها، وفُجْرها.. وكلمة “فُجْر” بضم الفاء، تأتي هنا في محلّها؛ لأن ما يُحاكُ ضد مصر يقتربُ بشدة، تجاوز مساحة التآمر، وباتَ أقرب إلى “إعلان الحرب” بابتسامة الشيطان..!
الرئيس الأمريكي بايدن، وإدارته، تجاوزوا مرحلة التلميح إلى التصريح، بقُرب إتمام عملية التهجير القسْري لأشقائنا من شمال ووسط غزة ورفح، إلى سيناء..!
وفي تزامُن واضح الترتيب؛ رئيس حكومة الحرب في دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يأمر الجيش بالاستعداد لبدء عملية عسكرية شاملة ضد “رفح”، لإجلاء النازحين الفلسطينيين منها، بدعوى القضاء على كتائب حماس..!
ودون الحاجة إلى منطقٍ أو تحليل، فإن هذا “التهجير القسري” من رفح جنوبي غزة، لن يكون له منفذ، سوى سيناء المصرية، وهي الخطة الموضوعة مُسبقاً، وحذرت منها أصوات كثيرة منذ بدء حرب 7 أكتوبر، بل قبلها بسنوات، حين ظهرت ملامح ما يسمى بـ”صفقة القرن”، في الشرق الأوسط..!
إنهم يحاولون الآن إسقاط كُرة اللهب في “حِجْر مصر”.. فهل بات للدبلوماسية مكان في هذا الصراع، وقد تحطمت مائدة التفاوض، ودُفنت تحت أنقاض غزة..؟!.. تل أبيب، ومن ورائها واشنطن، وأطرافٌ أخرى، يحاولون وضع مصر في “زاوية الحَلبَة”، وقطعاً تفهم القاهرة ذلك، وتدركه، منذ بدء الحرب.. غير أنها كانت تراهن على نجاح أصوات العقل والتعقّل، في حربٍٍ قد تحمل دماراً شاملاً إلى المنطقة..!
والآن.. بدا واضحاً، أنها حربٌ حتمية.. أو قُل إنها قسْرية.. فماذا نحن فاعلون؟!
الرئيس السيسي كان حاسماً منذ اللحظة الأولى: لا تهجير للفلسطينيين إلى سيناء؛ لأنه يستند إلى دولة كبيرة.. والمتحدث باسم الرئاسة ردّ على بايدن بالأمس، باحترافية؛ لأنه يرتكِنُ إلى أقوى جيش في المنطقة.. ولكن أصوات تنعِقُ هنا وهناك: “وليه لأ.. وبالمرة نفُك أزمتنا الاقتصادية”..!
يحاول البعض أن يفتح عيناً، ويُغمض أخرى، علّه لا يرى هذه الحقيقة..!.. وفي ذلك خداعٌ للنفس، يُفضي إلى “قنبلة” جديدة نزرعها في حزام ناسف حول جسدنا.. أو هي غفوة، نصحو بعدها على ضياع الأرض، مثلما حدث ذات “5 يونيو”..!.. غير أن هذه المرة، ستضيعُ مع الأرض، قضيةٌ محوريةٌ لكل العرب والمسلمين؛ اسمها فلسطين..!
في رفح الآن، ما يزيد على 1,4 مليون فلسطيني، ويبلغ عدد سكانها الأصليين نحو 250 ألف مواطن، أي أن هناك مليوناً ومائة وخمسين ألف فلسطيني، نزحوا إلى رفح، تحت وطأة حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل على سكان غزة، منذ 120 يوماً.. هل تلاحظون أن الرقم هو هو ما ذكره مسؤولون إسرائيليون، ومحللون وخبراء غربيون منذ بدء الحرب؟!.. سمعنا، ورأينا، وقرأنا، ولكننا غافلون..!
يقول البعض إن مصر تعاني أزمة اقتصادية حادة، وليس هذا وقت الحرب.. وفي ذلك منطق وطني لا مؤاخذة عليه، ولكن منذ متى تختار الحروبُ أوقاتها؟!.. وهل في الدفاع عن الأرض حسابٌ للتوقيت؟!.. وهل في الذّود عن العِرض مواعيد مناسبة؟! .. وهل نأكل لقمة العيش مغموسة بدماء مئات الآلاف من الشهداء، في حروبٍٍ متتالية، وأكثر من 27 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء ضحّوا بأرواحهم في أتون غزة المُستعِر، دفاعاً عن الأرض التي يريدون الآن أن نسلّمها للعدو الصهيوني، مع قُبلة خنوعٍ وخضوعٍ وخيانةٍ على يده القذرة؟!
لست من دعاة الحرب.. ولكن إن اختارتني الحروب، فلتكُن.. عِش حراً، شريفاً.. أو لتمُت شجاعاً، دون أرضِك وعِرضِك..!.. هكذا علّمتُمونا في المدارس.. فهل تنكصُوا بما زرعتُموه دماً ونخاعاً في أجسادنا، فنعيش جبناءَ، مسلُوبي الإرادة والكرامة..؟!
إن نحن صَمَتنا، فسوف يكتب التاريخ على صفحة سوداء من هذه الأرض “لقد عاش هنا أناسٌ، قبض أغنياؤهم على خزائنهم، خشية الحرب، وانشغلت نُخْبتهم في جمع فُتات المكاسب، وانهمك فقراؤهم في الجري وراء لقمة العيش، في زمنٍ عزّ فيه السَّتر.. فضاعت الأرض، وغابت النخوة، ووقّعوا بالأحرفِ الأولى والوسطى والأخيرة على وثيقة نهاية القضية الفلسطينية”..!
أقول هذا، وأكثر، في لحظة لا تجوز فيها المُهادنة، ولا تُفيد فيها ”ميوعة“ المواقف.. إذا كانت النخوة لاتزال تجري في عروقنا.. فلنُطلق صرخة غضب في وجه القتلة، ولنُريَهم أننا رجال لا يهابُون الموت، دفاعاً عن الحق..!