مبعوث جديد يستقيل
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
استقال عبد الله باتيلي، المبعوث الأممي في ليبيا، وقال بعد استقالته في إحاطة له أمام مجلس الأمن، إن القادة والساسة الذين يظهرون في الأراضي الليبية، هُم أنانيون، وأنهم تعمدوا الوقوف ضد كل محاولة للحل السياسي طرحها من جانبه في بلادهم .
لم يشأ أن يستثني أحداً، وقال ما قاله على سبيل التعميم، وجاء كلامه بعد تجربة له هناك دامت لما يقرب العامين.. ومما قاله أيضاً، أن بلد العقيد القذافي تشهد منافسة شرسة بين قوى إقليمية ودولية، وأن كل واحدة منها تسعى الى أن يكون لها موطئ قدم في ليبيا.
وليست استقالة الرجل هي الأولى من نوعها، فلقد سبقه مبعوثون مثله كثيرون إلى مكانه، بعضهم أتم فترته وغادر بغير أن يقدم شيئاً لليبيين، وبعضهم آثر الاستقالة والرحيل بعد أن اكتشف أنه عاجز عن فعل شيء.
ومن كثرة عدد المبعوثين الدوليين الذين توالوا على ليبيا، فإن المتابع يجد صعوبة في إحصاء عددهم، ولكن المهم أن أحداً منهم لم يقدم شيئاً، وأن تجربة باتيلي يجب أن تكون درساً في موضوعها، وأن مجيء مبعوث جديد في مكانه سوف يكون تعامياً عن القاعدة التي تقول، أنك لا يمكن أن تفعل الشيء نفسه للمرة الثانية ثم تتوقع نتيجة مختلفة.. فما بالك إذا كان المبعوث المقبل هو التاسع أو العاشر لا الثاني؟
القصة كلها لخصها باتيلي في كلمة واحدة، عندما وصف الساسة والقادة في ليبيا بأنهم أنانيون، فهي كلمة جامعة شاملة.
ونحن نعرف أن هذه الكلمة تحط من شأن صاحبها، حين يوصف بها شخص في تعاملاتنا اليومية، فإذا كان الذي يوصف بها شخصاً يمارس دوراً عاماً في مجتمعه، أو يشغل منصباً، أو يملأ موقعاً من مواقع العمل في الدولة، فهي تصبح أشد سوءاً، وتصبح عاقبتها أوسع وأشمل من دائرة صاحبها.
وأظن أن باتيلي كان دبلوماسياً في إطلاق هذا الوصف على الذين تعامل معهم طوال وجوده في العاصمة طرابلس أو في غيرها، لأنه لو شاء أن يصفهم دون استخدام اللغة الدبلوماسية لقال إنهم يقدمون مصالحهم على صالح الوطن، وأن المصلحة الخاصة هي معيار كل واحد فيهم عند التعرض لما يخص ليبيا.
والحقيقة أنه لا يصاب وطن بشيء، بقدر ما يصاب بما قاله المبعوث المستقيل في كلمة واحدة كانت كافية للإشارة الى كل شيء .
فماذا نفهم من ذلك؟ نفهم أن المشكلة هي هناك بين هؤلاء الذين يتصدون للقضية في ليبيا، وأن مجيء مائة مبعوث جديد لن يحل المشكلة، وأن الحل لدى الذين يتصدرون المشهد الليبي، وأنه لا شيء يطلبه منهم كل ليبي إلا أن يتقوا الله في البلد.
ولا شك في أن شراسة القوى الإقليمية والدولية في التنافس على ليبيا، ترجع الى الأنانية ذاتها، ولو اختفت هذه الأنانية أو تراجعت على الأقل، ما كان للتنافس ولا للشراسة وجود، وما كان للذين يطمعون في الثروات الليبية أن يفكروا في التواجد هناك.
إن ليبيا تتميز بأنها بلد نفطي، وتتميز أيضاً بموقع فريد على البحر المتوسط، وتتميز بساحل على هذا البحر يصل طوله الى ٢٠٠٠ كيلو متر، وكلها أشياء تدعو كل طامع الى الحضور فوق الأراضي الليبية، غير أن حائط الصد أمام أي حضور من هذا النوع، هو ألا يكون الذين تعامل معهم المبعوث باتيلي أنانيين، وأن يدركوا أن الشخص يمكن أن يكون أنانيا فيما يخصه ويملكه فلا يلام، أما إذا الأمر خاصاً بمال عام فالقضية تختلف، والأنانية في هذه الحالة لا بد أن تذهب بصاحبها إلى العدالة.