ما هي المحطة التالية لمرتزقة فاغنر؟
(بي بي سي)
كشف التمرد الأخير لمرتزقة فاغنر في روسيا عن حالات هائلة من عدم الاستقرار في تلك البلاد.
ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للحرب في أوكرانيا وما الذي سيحدث الآن لفاغنر ومرتزقتها الذين تمردوا؟
لماذا الأمر مهم؟
أولاً، سيطرت مجموعة فاغنر على مدينة روسية بالكامل هي مدينة روستوف أون دون في غضون بضع ساعات فقط في 24 يونيو. ثم أرسلت رتلاً عسكرياً مدججاً بالسلاح باتجاه الشمال، وتوقف على بعد 200 كيلومتر فقط عن موسكو، وأسقط طائرة عسكرية روسية في طريقه.
وكان ذلك أخطر تحد حتى الآن لحكم الرئيس بوتين، حتى لو لم يكن القصد منه ذلك، كما يزعم رئيس مرتزقة فاغنر يفغيني بريغوجين.
وباختصار، فإن الأمر أوشك على أن يشعل فتيل ما كان يمكن أن يكون حرباً أهلية كارثية في بلد يملك أكبر ترسانة من الرؤوس النووية في العالم.
ثانياً، كانت فاغنر أنجح قوة عسكرية روسية على الأرض في أوكرانيا بلا منازع. فجنودها، الذين يضمون قدامى المحاربين ومدانين بارتكاب جرائم، يتلقون رواتب أفضل غالباً، ومتحمسون بشكل أفضل من جنود الجيش النظامي.
وبعد أشهر من القتال الضاري من مسافة قريبة والذي يشبه معارك الشوارع في مدينة ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية، أعطت فاغنر لروسيا شيئاً أشبه بالنصر عندما سيطر جنودها على مدينة باخموت المدمرة هذا العام.
ما الذي سيفعله بوتين؟
يواجه الرئيس بوتين معضلة. فقد شنت فاغنر تمرداً، وبالتالي فإن من الواضح أنها تعتبر تهديداً مستقبلياً محتملاً. ومع ذلك فقد كانت مفيدة بشكل هائل للكرملين ليس فقط في أوكرانيا.
وتعكس فاغنر، التي نُشرت في سوريا وليبيا والعديد من الدول الأفريقية، القوة الاستراتيجية لروسيا ولنفوذها حول العالم، وعملت طوال الوقت تحت ستار التظاهر بأنها لا علاقة لها بالكرملين. ولم يعترف بوتين إلا من فترة قريبة جداً أن فاغنر كانت تُمول من الدولة بمبالغ تصل قيمتها إلى مليارات الروبلات الروسية.
وفي أعقاب التمرد المجهض، قال الكرملين إن مقاتلي فاغنر لديهم حتى الأول من يوليو ليقرروا ما إذا كانوا سيوقعون على عقود بالانضمام إلى الجيش النظامي (وهو ليس عرضاً مغرياً لمعظمهم). وإذا لم يوقعوا، فإن بإمكانهم إما العودة إلى المنزل أو الذهاب إلى بيلاروسيا المجاورة حيث يفترض أن بريغوجين يعيش في منفاه.
أين بريغوجين؟
نعلم من بيانات تعقب الطائرات أن طائرة على صلة ببريغوجين هبطت في العاصمة البيلاروسية مينسك هذا الأسبوع. ووصوله هناك أكده الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
لكن تلك الطائرة نفسها عادت منذ ذلك الحين إلى روسيا، متوقفة في سانت بطرسبرغ وموسكو.
ولكن أين هو الآن وهل ما زال سيسمح له بإدارة عمليات فاغنر من بيلاروسيا، على الرغم من خيانته لراعيه السابق، الرئيس بوتين؟
ربما لا يزال مفيداً لروسيا، لكن من المستبعد أن يثق به بوتين أو يسامحه على الإطلاق لأنه أوشك على إشعال فتيل حرب أهلية.
وكان محققون بريطانيون قد خلصوا إلى نتيجة مفادها أن الضابطين السابقين في جهاز الاستخبارات الروسي “كي جي بي” اللذين انشقا عن النظام، ألكسندر ليتفنينكو وسيرغي سكريبال، جرى تسميمهما في بريطانيا على يد عملاء أرسلتهم موسكو. والآن سيعيش بريغوجين في حالة ترقب وخوف من الخطر طوال حياته.
ماذا عن مقاتلي فاغنر؟
لقد بات بحكم المؤكد أن وجود فاغنر في أوكرانيا قد انتهى، على الأقل كوحدة مستقلة. بعض المقاتلين السابقين قد يعودون إلى هناك كجزء من الجيش النظامي الروسي لكن الأيام الجامحة لعملها بحرية كما يحلو لها والإذعان لقائدها فقط في معظم الأحيان قد انتهت.
وتقول كاترينا ستيبانينكو، وهي محللة روسية من معهد دراسات الحرب، إن “روسيا تقوم عملياً بتفكيك واحدة من قواتها الهجومية القادرة على خوض المعارك”. وتضيف أن “هذه تعتبر عملية مهمة للمقاتلين الأوكرانيين الذين ألمحوا في السابق بأن القتال في مواجهة فاغنر هو أسوأ بكثير من مواجهة وحدات الجيش الروسي النظامي”.
وتشير الدلائل إلى أن مستقبل مجموعة فاغنر ما زال يُبحث في المفاوضات بين بريغوجين والكرملين ولوكاشينكو، الذي عرض على قوات فاغنر استخدام معسكر للجيش.
وتُظهر صور التقطت بالأقمار الصناعية وجود نشاط في قاعدة مهجورة على بعد حوالي 21 كيلومتراً عن مدينة “أسيبوفيتشي” وأكثر من 100 كيلومتر عن العاصمة مينسك. وتحدثت وسائل الإعلام الروسية عن هذه المنطقة باعتبارها المكان الذي قد يأوي مقاتلي فاغنر.
والآن يتعين على أوكرانيا أن تقلق بشأن تعزيز حدودها الشمالية، بينما لدى كل الدول المجاورة الأعضاء في حلف الناتو مخاوف من أنشطة تخريبية مستقبلية قد تنفذها فاغنر انطلاقاً من بيلاروسيا.
وحتى الآن لا أحد يعرف، ولا حتى الكرملين نفسه، كم عدد مقاتلي فاغنر الذين سيذهبون إلى بيلاروسيا، وكم عدد من سينضم إلى الجيش الروسي للقتال في أوكرانيا وكم عدد من سيتقاعد ويذهب إلى منزله.
وكشف بحث في غرف الدردشة الحية على منصة تلغرام أجراه قسم التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي عن عدد من الدلائل، على الرغم من أن أحد المدونين الذي عرّف عن نفسه بأنه مقاتل بيلاروسي في فاغنر يقول إن المجموعة “تواصل عملها”.
وفي أعقاب انتهاء التمرد مباشرة، يُعتقد بأن الكثيرين عادوا إلى قواعدهم في الأجزاء التي تحتلها روسيا من شرقي أوكرانيا.
ما تأثير ذلك على الحرب؟
كان قسم التحقق من صحة الأخبار في بي بي سي يبحث عن أدلة على مكاسب حققتها القوات الأوكرانية منذ تمرد فاغنر، لكنه لم يلاحظ أي تغير كبير على المواقع في الخطوط الأمامية حتى الآن.
وتقول مارينا ميرون، وهي خبيرة عسكرية روسية في جامعة كنغز كوليج في لندن: “لا أعتقد أنه سيكون لذلك تأثير في الوقت الحاضر لأن روسيا في موقف دفاع”.
وتضيف قائلة: “إذا تمكن الجيش النظامي الروسي من استيعاب جنود فاغنر وإعادة توجيههم تحت هيكلية قيادية واحدة، فإن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى إضعاف الجانب الروسي.”
وفي نهاية المطاف سيعتمد الأمر على مسألة الروح المعنوية في أوساط القوات الروسية المنتشرة على الجبهة. فإذا شكوا بأن قادتهم يتقاتلون فيما بينهم في الوطن بروسيا، فإن ذلك سيؤثر بشكل جدي مع مرور الوقت على الروج المعنوية في خنادق القتال.
صحيح أن فاغنر لم تنته لكن أيامها في العمل بشكل مستقل عن الجيش الروسي قد انتهت. ومع تسليم أسلحتها وبدون وجود بريغوجين صاحب الشخصية الكاريزمية على رأسها، فإنها لن تكون بعد الآن القوة التي كانت عليها. وهذا يمنح بعض الارتياح لكييف.