منوعات

فن السعادة والحزن عند المصريين

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

“الحياة فن ويجب على المصريين استحداث فن جديد من فنون الحياة يمكن أن نُطلق عليه “فن السرور”؛ لأن كمية السرور في مصر قليلة مثل كمية الحب تمامًا، على الرغم من أننا لا تنقصنا الوسائل في بلادنا لكي نكون سعداء ومسرورين؛ فجوّنا جميل وخيراتنا كثيرة، وتكاليف الحياة عندنا هينة، ووسائل العيش يسيرة”.

هذا بعض ما كتبه الراحل الأستاذ أحمد أمين في مقال له نشر بمجلة “الثقافة” قبل أكثر من خمسة وثمانين عامًا ليدعو المصريين لتعلم فن الفرح والسرور مثل الغربيين؛ لأن الحياة فن والسرور فن يمكن تعلمه، ومَن عرف كيف يستعمل هذا الفن استفاد منه، وحظِي بالفرح، ومن لم يعرف استغلاله فسيكون الحزن والشقاء نصيبه من الحياة.

وقد أثار نشر المقال هذا جدلًا راقيًا وطريفًا بين القراء والمتابعين، وتصدى لمناقشته والرد عليه الدكتور طه حسين والشيخ عبد العزيز البشري؛ فكتب الدكتور طه حسين مقالًا اتسم بعذوبة شديدة وخفة دم منقطعة النظير، مُشيدًا بفكرة الأستاذ أحمد أمين، لكنه في ذات الوقت شكك في إمكانية تحقيقها في البيئة المصرية وتعليم المصريين فن السعادة مثل الغربيين.

وقال الدكتور طه حسين إن الأسهل و الأجدى في الحالة المصرية، هو الدعوة إلى إنشاء “فن الحزن” لأننا لن نحتاج في إنشائه لمشقة أو جهد، كما لن نحتاج إلى لجان ومتخصصين من علماء النفس أو الاجتماع، وكل ما سوف نحتاج إليه هو النظر في الشأن العام المصري، ثم نعود إلى أنفسنا لنفكر فيما رأينا، وعندئذ سوف نجد في هذا التفكير مصادر حزن لا تنقضي، ومصادر ألم لا يزول.

بعد نشر مقال الدكتور طه حسين، تصدى الشيخ عبد العزيز البشري لمناقشة مقالي أحمد أمين وطه حسين في مقال لاحق عليهما حمل عنوان “فن الحزن”، وفي مقاله الطريف كصاحبه ناقش الشيخ عبد العزيز البشر فكرة الدكتور طه حسين خاصة، أما فكرة الأستاذ أحمد أمين فلم يؤيدها أو يستهجنها.

وفي رده على الدكتور طه حسين ذكر أنه أخطأ عندما طالب باستحداث فن للحزن عند المصريين؛ لأن هذا الفن في مصر قديم ومتين القواعد وثابت الأصول، وهو يظهر في فنون النُّواح والعديد ورثاء الموتى والتباكي على سائر مواجع النساء والرجال.
وهذا يعني أن حزن المصريين قديم وراسخ، والجديد الذي يجب أن نضيفه إليه هو أن نقل دواعي الحزن والعديد والنواح من الشؤون الخاصة إلى الشئون العامة، وهو الأمر الذي يريده بمعنى ما الدكتور طه حسين، ويؤيده فيه الشيخ عبد العزيز البشري.

وبناء عليه دعا الشيخ عبد العزيز البشري لتأسيس “فن الحزن المصري الحديث”، الذي يمكن من خلاله البكاء على “انحطاط مستوى التعليم، وتدهور الأخلاق، وتعطل الشباب من حملة الشهادات، والإعراض عن الجد في استغلال الثروات، ومشكلة القطن، والغلاء المصطنع، وأزمة الزواج بين الشباب، وإيثار المحسوبيات على الكفاءات”.

وبهذا الحزن والبكاء عليها نلفت الأنظار إليها وندفع القائمين على إدارة شئون البلاد والعباد إلى إصلاحها، بما يفتح الباب لترتقي مرافق مصر، وزوال أسباب الضعف والفساد عنها.

هذه خلاصة السجال الفكري الطريف والراقي الذي دار منذ أكثر من خمسة وثمانين عامًا على صفحات مجلة “الثقافة” بين ثلاثة من عظماء الثقافة المصرية، حول ضرورة تأسيس فن للسرور وفن للحزن عند المصريين.

وأظن اليوم أن مبررات ودواعي تأسيس فن الحزن المصري الحديث – الذي دعا إليه الدكتور طه حسين والشيخ عبد العزيز البشري في من أجل لفت الأنظار إلى مظاهر التردي والقبح والفساد في المجتمع المصري – لا تزال قائمة إلى اليوم.

وأظن أيضًا أن المصريين لن يتعلموا فن الفرح والسرور الذي دعا إلى تأسيسه الأستاذ أحمد أمين ليعيشوا بسعادة الغربيين، إلا بعد ممارسة النقد الذاتي والتعلم من أخطاء الماضي، وإصلاح شأنهم العام، والعمل بهمة وإخلاص لكي يتغير حالهم ومجتمعهم واقتصاد بلادهم للأفضل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button