شجاعة جزائرية
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
أنهى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون زيارة له إلى روسيا ، كان قد بدأها الثلاثاء ١٣ من الشهر، وكانت هي الأولى من جانبه إلى العاصمة الروسية موسكو منذ أن تولى مقاليد الحكم في ٢٠١٩ ، وكانت قد تأجلت من قبل مرتين : إحداهما كانت قبل نهاية العام المنقضي، والثانية كانت في منتصف الشهر الذي مضى.
ولا بد أن زيارة رئاسية كهذه، في ظروف دولية من نوع ما نعيشه ونتابعه، تنطوي على شجاعة سياسية جزائرية لا تخطئها العين.. والسبب أن الغرب يصنف الدول هذه الأيام، وبالذات في أجواء الحرب الروسية الأوكرانية، على أساس أن الدولة التي ليست معه هي ضده على طول الخط.
والذين تابعوا تفاصيل الزيارة في وسائل الإعلام لا بد أنهم قد لاحظوا أن الرئيس تبون كان يدرك مسبقاً هذه المعاني كلها، وكان بالتالي يخطو خطوات محسوبة في زيارته، وكان يتكلم عن تعاون بين البلدين في السياحة، وفي الزراعة، وفي التكنولوجيا، وفي غير ذلك من المجالات، وبغير أن يتطرق إلى الحديث عن صفقة سلاح مع روسيا كان الحديث قد دار عنها في مرحلة سابقة على الزيارة.. ولا بد أيضاً أنهم لاحظوا أن الرئيس الجزائري دشن نصباً تذكارياً في العاصمة الروسية باسم الأمير عبد القادر الجزائري، الذي يوصف بأنه مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة.
وهي حكمة سياسية لا شك من جانب الرئيس الجزائري، لأنه يعرف أنه ليس من الحكمة في شيء أن يضع بلاده طرفاً مباشراً، أو حتى غير مباشر، في هذه الحرب العبثية التي لا تريد أن تتوقف، ولا تبدو لها نهاية قريبة في الأفق المنظور.
ونحن نعرف أن مشكلات بلا حصر قد واجهت عمران خان، رئيس وزراء باكستان السابق، لمجرد أنه بدا منه في بدايات هذه الحرب ما يفيد أنه قريب من روسيا، أو أنه منحاز إليها، أو أنه حتى متعاطف معها في حربها على أوكرانيا.
ولكن هناك فرقاً بالتأكيد بين باكستان في شرق المنطقة، وبين الجزائر في غربها، وهناك فارق بين خان هناك، وبين تبون هنا.
والفوارق كثيرة.. وهي فوارق ليس أولها أن اقتصاد الجزائر قوي ومتماسك، وأن الجزائر بالتالي تستطيع أن تجد مساحة تتحرك فيها، ولا آخرها أن الرئيس الجزائري وهو يزور موسكو كان حريصاً على أن تكون خطواته بحساب وكذلك كلماته، وأنه كان أحرص الناس على ألا يخرج عنه ما يمكن أن يستفز الغرب في العموم، أو الولايات المتحدة على وجه الخصوص.
وليس من المطلوب أن تبدو أي عاصمة في صورة المستفز لعواصم الغرب في اللحظة الحالية بالذات، ولا من المطلوب أن تبدو الجزائر وكأنها مع طرف ضد طرف.. وهذا ما كان واضحاً خلال الزيارة من أولها إلى آخرها، وهذا أيضاً ما كان الرئيس تبون يضعه في الاعتبار باستمرار.
الجزائر بلد قوي في موقعه، وفي منطقته، وفي محيطه العربي، وفي قارته السمراء، وهو يتصرف على هذه الأرضية، ولا تغيب عن حكومته طبيعة الأجواء من حوله، وخصوصاً في هذه الزيارة التي لا بد أن الغرب كان يتابعها باهتمام، وكان يرصد الخطوات والقرارات فيها، وكان يتطلع طول الوقت ليرى كيف جرت، وماذا أنتجت من حصيلة، وكيف أدارها صانع القرار الجزائري في كل مراحلها؟!
ولا يزال الغرب في حاجة إلى أن يتفهم طبيعة العلاقات بين الدول على المستوى الثنائي، وأن يتقبل حق كل دولة في أن تدير علاقاتها مع بقية الدول في مساحة من المساحات الحُرة، وبما يحقق مصلحتها الوطنية، ما دام ذلك لا يضره ولا يضر مصالحه في شيء.