منوعات

سيرة شعبية لحرب أكتوبر

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

يعد كتاب «الثقافة سنة 1973: سيرة شعبية لحرب أكتوبر» للكاتب والباحث محمد سيد ريان (دار المحرر، 2023) فرصة جيدة لاستعادة هذه اللحظة التاريخية لمصر والمصريين من منظور شعبي.

يتناول الكتاب حرب أكتوبر المجيدة من زاوية مختلفة تستحق الإشادة، وهي رؤية الحدث من وجهة نظر الجماهير المصرية والعربية، ويعرض روايات شعبية من العمال والفلاحين عن حرب أكتوبر، موضحًا تصوراتهم لأهميتها وتفاعلهم مع مجريات الأمور والأحداث.

ويرصد الكتاب نماذج من أدوار وكتابات ومواقف المثقفين المصريين والعرب خلال حرب أكتوبر الذين ساندوا المعركة حتى تحقق النصر. كما يُقدِّم المؤلف قراءات لبعض ما ورد في كتب المراسلين العسكريين.

كما يتناول الكتاب زاوية أخرى لافتة، حيث تناول النصر المجيد في مجلات الأطفال وقتها، واختار أعداد مجلتي «ميكي» و«سمير» الشهيرة نموذجًا، لتجتمع كل جوانب الكتاب ويصبح سيرة شعبية سواء للعمال والفلاحين وهم جمهور الشعب المشارك وقتها، وكذلك المثقفين وهم أيضًا جزء رئيسٌ من الشعب يُعبِّر عن طموحاته وأحلامه وانتصاراته وأمجاده، ويشاركون بأفكارهم وفنهم، حتى الأطفال في الكتابات والرسومات المعبِّرة عنهم.

أما إضافة الفصل السادس فهو رؤية شخصية للمؤلف في تقديم محتوى للأجيال الجديدة الذين لم يعاصروا تلك الفترة العظيمة من تاريخ مصر، وقد لا يدرك بعضهم لم قامت تلك المعارك وأهمية النصر وضرورة استرداد سيناء لمصر، ولذلك قدَّم عرضًا لكتاب مهم وهو «سيناء – المدخل الشرقي لمصر» للجغرافي عباس مصطفى عمار.

يقول محمد سيد ريان في مقدمة كتابه:

«تعود فكرة هذا الكتاب إلى كتاب آخر شغلني على مدار السنوات الخمس الماضية وهو عن أحوال الثقافة المصرية منذ 1952 حتى الآن، واكتشفت أثناء البحث والتوثيق وجود كنوز ثقافية ومعرفية كبيرة عن حرب أكتوبر 1973، وهو ما شجعني على مواصلة الجهد والعمل على تلك الفترة من أرشيف الثقافة المصرية» (ص 7).

يضيف الكاتب في مقدمته:

«وعلى الرغم من أن هناك كتبًا عديدة صدرت عن حرب أكتوبر سواء للعسكريين المشاركين فى الحرب، أو المحررين والمعايشين للحظات النصر، وكذلك كتب المحللين والخبراء عن نتائج الحرب، وفي كل عام يزداد رصيد المكتبة العربية من الإصدارات عن نصر أكتوبر المجيد؛ فإننا نظل في شغف مستمر للمزيد والمزيد من تلك الكتب التي توضح جوانب مختلفة ومهمة مما حدث في تلك السنوات حتى تحقق النصر» (ص 7).

في كتابه نعيد قراءة دور مجلة «الطليعة» المصرية التي تعد واحدة من أبرز المجلات التي التزمت خطًا مميزًا للتعبير عن توجهاتها الأدبية والفكرية منذ ستينيات القرن العشرين، تمثَّل في آمال وطموحات اليسار في التغيير، وقد عبَّرت بشكل واضح عن تطورات الفكر المصري في تلك المرحلة. وبمطالعة أعداد تلك المجلة المهمة نكتشف أنها تختلف عن غيرها في ذلك الوقت بل سابق في الرؤية والرسالة لما جاء بعدها من حيث الطرح والعمق.

ومن عطايا تلك المجلة الرائدة وكنوزها ما وجده الباحث في عدد ديسمبر 1973، حيث تم تخصيص مساحة كبيرة لملف غاية في الأهمية في باب شهادات واقعية تحت عنوان «رؤية شعبية لحرب أكتوبر 1973» تم فيه استطلاع رأي عدد لا بأس به من العمال والفلاحين ومعرفة ردود فعلهم.

فمن الفلاحين تذكر عطيات حجازي سعودي (فلاحة – الدلاتون):

«بمجرد قيام الحرب الناس سادهم شعور بالأخوة والترابط وظهر التعاون بين الناس في جميع المجالات في الدفاع المدني والتبرع بالدم، كل واحد كان عايز ياخد فرصة لخدمة بلده أثناء الحرب وأولادنا المقاتلين على الجبهة كنا بندعيلهم بالنصر ومكناش قلقين عليهم بالعكس كنا فخورين بهم» (ص 31).

أما محمود خليفة (عامل نسيج في شركة وولتكس – مصنع البطاطين في روض الفرج)، فيقول:

«كنت عارف إننا في معركة دايمة مع إسرائيل وأمريكا. وما كنتش أتوقع تاريخ قيام المعركة الأخيرة. لما بدأنا إحنا المعركة أدركت إننا حننتصر وكان عندنا ثقة تامة في الانتصار، وإن قضيتنا بدأت تتحرك ناحية الحل الصحيح. موقف البلاد العربية هو أكبر انتصار سياسي لمصر في توحيد البلاد العربية، ووقفة البلاد العربية في المعركة انتصار مهم جدًا وده اللي يجب إنه يستمر» (ص 17).

أما عن دور المثقفين في المعركة فإن نجيب محفوظ كتب في 10 أكتوبر في الصفحة الأولى من جريدة «الأهرام» تحت عنوان «عودة الروح»:

«ردت الروح بعد معاناة طعم الموت ست سنوات، رأيتُ المصري خلالها يسير في الأسواق مرتديًا قناع الذل، يثرثر ولا يتكلم، يقطب بلا كبرياء، يضحك بلا سرور، يتعامل مع المكان وهو غريب، ويساير الزمان بلا مستقبل، من حوله عرب متقاربون وقلوبهم شتى، وأصدقاء من العالم يعطفون عليه بإشفاق لا يخلو من زراية، وعدونا يعربد» (ص 40).

ويضيف نجيب محفوظ:

«روح مصر تنطلق بلا توقع، وتحلق بلا مقدمات، تتجسد في الجنود، بعد أن تجسدت في قلب ابن من أبر أبنائها، تقمص في لحظة من الزمان عصارة أرواح الشهداء من زعمائها، واتخذ قراره، ووجَّه ضربته، ووقعت المعجزة، انتقل الجيش من الغرب إلى الشرق، بادر العرب إلى العروة الوثقى، ذهل الأصدقاء والأعداء، استرد المواطن عهود مجده وكبريائه، سارت مصر من عصر إلى عصر، ومن عهد إلى عهد، ومن موت إلى خلود» (ص 41).

كما كتب بعدها بأيام (جريدة «الأهرام»، 19 أكتوبر 1973، ص 4) تحت عنوان «ثورة 6 أكتوبر»:

«إنها ثورة وليست معركة وحسب.. فالمعركة صراع قد ينتهي بالنصر أو بغيره.. ولكن الثورة وثبة روحية تمتد في المكان والزمان حتى تُحقق الحضارة.. إنها رمز لثورة الإنسان على نفسه وتجاوزه لواقعه، وتحديه لمخاوفه ومواجهة لأشد قوى الشر عنفًا وتسلطًا» (ص 41).

وفي جريدة «الأهرام» (12 أكتوبر 1973، ص 5)، كتب القاص والأديب يوسف إدريس تحت عنوان «الخلاص»:

«بضربة واحدة تمت المعجزة، تحوّلنا من كائنات لا كرامة لها.. كائنات كالسائمة إلى بشر ذوي كرامة، بضربة إرادة واحدة ردت إلينا كرامتنا وعادت إنسانيتنا» (ص 43).

ويتطرق الباحث إلى المثقفين المصريين خارج مصر (الدكتور أحمد زكي نموذجًا)، فيقول إنه في مجلة «العربي» الكويتية التي كان يرأس تحريرها د.أحمد زكي، كتب رئيس التحرير في الافتتاحية تحت عنوان «عزيزي القارئ»:

«قامت الحرب بين العرب وإسرائيل .. إنها حرب «التصحيح» التي كان لا بدَّ منها… بها نريد أن تكتب صفحة في تاريخنا بيضاء، تذهب بسواد تلك الصفحة الرهيبة القديمة السوداء».

ولم تصدر مجلة «الآداب» البيروتية في أكتوبر، وقت الحرب، وقد شاءت الأقدار أن تصدر في عدد مزدوج (تزيد صفحاته على ضعف العدد العادي) مخصص كله لأهم ما كتبه أدباؤنا ومفكرونا في المعركة.

وجاءت فكرة العدد في اختيار نماذج مما كتبه حملة الأقلام العرب في مختلف المجلات والصحف ووسائل الإعلام المختلفة. وذكروا أنهم استأذنوا الأدباء والمفكرين بإعادة نشرها في هذا العدد الوثائقي الذي قصدوا منه جعله مرجعًا مهمًا لمبادرات الكُتَّاب العرب في مواجهة المعركة.

والعدد به تجميعٌ ممتاز وموثق لكل ما قاله المثقفون المصريون والعرب بالصحف والمجلات العربية خلال حرب أكتوبر 1973 وبه عددٌ كبير من النصوص الأدبية والأشعار عن حرب أكتوبر بالإضافة للرؤى الفكرية المطروحة من وحي اللحظة.

ومن أبرز الكتب التي صدرت عن حرب أكتوبر للمحررين العسكريين بعد السماح بنشر المعلومات، كتاب حمدي لطفي عميد المحررين العسكريين المصريين «العسكرية المصرية فوق سيناء» عن دار الهلال عام 1976 وسجَّل فيه الكاتب العمليات الحربية على مستوى أسلحة البر والجو والبحر، التي حصل عليها من خلال المعايشة الميدانية للمقاتلين أثناء الحرب في سيناء.

وفي العام المذكور (1976) صدر أيضًا كتاب «يوميات أكتوبر في سيناء والجولان» لعبده مباشر عن دار المعارف، ويرصد فيه وقائع الحرب أثناء وجوده على الجبهة فترة حرب أكتوبر.

ويعد الكاتب والروائي جمال الغيطاني واحدًا من أبرز المراسلين خلال فترة حرب أكتوبر، كمراسل لمؤسسة «أخبار اليوم»، وقد أصدر مجموعة كتب عن حرب أكتوبر منها –في مجال الكتابة الصحفية- كتاب «على خط النار: يوميات حرب أكتوبر» عن سلسلة «كتاب اليوم»، ويضم جانبًا من رسائله الصحفية التي أمد بها جريدة «الأخبار» عندما عمل مراسلًا عسكريًا على الجبهة خلال حرب الاستنزاف، ثم حرب أكتوبر المجيدة، خلال الفترة ما بين عامي 1969 و1974، وقد رصد في كتابه الأحداث والتطورات العسكرية على الجبهة. وهناك كتابه المعروف «المصريون والحرب: من صدمة يونيو إلى يقظة أكتوبر»، الذي صدر عن «روز اليوسف» عام 1974، وأعيد طبعه في هيئة الكتاب عام 2016.

يُذكر أن الكاتب محمد سيد ريان يعمل منذ أعوام على مشروع ثقافي متكامل بشقيه التوثيقي/ التقني، والكتاب الذي بين أيدينا حلقة من مشروع مهم ومختلف بكل تأكيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى