“رحلة شقا انتهت في النيل”.. كابوس اللحظات الأخيرة في حياة “الأرزقية” الثمانية (فيديو وصور)
09:11 ص
الثلاثاء 27 فبراير 2024
كتب ـ رمضان يونس:
بلبس متشح بالسواد، وملامح أرهقتها معاناة الأنتظار؛ تجلس “أم عبد الرحمن” أمام “رياح البحيري”، في انتظار ما يثلج قلبها بالعثور على جثمان فقيدها “عبده” أحد ضحايا مركب”معدية نكلا” يعلو صوتها بين الحين والآخر:”اطلع يا عبده طفي النار اللي جوايا ..كسرت قلبي عليك يا ضنايا”.
على حافة عزبة “ربيع” اجتمعت أوجاع الأم مع مآسي أهالي”منية الديبة”، أمام “معدية نكلا”، بعد أن غرق مركب صيد يٌقل 14عاملاً، كان النصيب الأكبر من الحادث للقرية، (8 عمال) ـ “شدة حديدة” ـ بينما نجا 6 من بينهم سائق المركب الغارق “الناس دي كل يوم بتعدي بالمركب”.
مع بزوغ فجرالسبت؛ لم “عبدالرحمن ياسر”( 24 عامًا)، أشيائه، قبل أن يودع والدته، أنتظر ميكروباص العودة مع أبناء بلدته، متجهين إلى منشأة القناطر حيث عملهم في شركة مقاولات “كبيرة” على أطراف عزبة “ربيع” ..”كان قاعد معايا بعد ما صلينا الجمعة .. مكملش يوم ولقيت بيقولوا ابن اختك مات في الشغل”. يقولها خال عبد الرحمن أحد الضحايا.
رحلة عمال “منية الديبة” الثمانية، ولت علي غير رجعة، حينما ودع كل منهم إسرته، دون أن يدرٍ أحد منهم أنه اللقاء الأخير مع والديه “بيروحوا الخميس وبيرجعوا السبت”، السابعة صباحا عادوا “عمال اليومية” إلى عملهم بعد أن نالوا قسطا من الراحة وسط أسرهم أمسية الجمعة. “كلهم عمال وبيشتغلوا اليوم بيومه .. منهم اتنين ولاد عم .. وواحد أول أسبوع ليه في الشغل”. يقولها أحمد أحد أهالي الضحايا.
داخل شقة مستأجرة على أطراف قرية “نكلا”، وبعد أن انتهى العمل قبيل مغيب شمس السبت، توسط “عبد الرحمن” أبناء بلدته (سامي وحمدي و محمود وإيهاب وسيف ومحمود وأحمد عز)، عقب تناول وجبة العشاء، فيما جلسوا يقسمون “إلزامه”، قبل منتصف الليل غلب النعاس “عبد الرحمن” وباقي العمال كونهم يعملون في الشدة المعدنية :” قريتنا كلها شغاله في الشغل ده ومفيش شغل غيره”. يحكي أحد أهالي القرية.
السادسة صباحا كعادته، استيقظ “عبد الرحمن” من وهلة نومه، أيقظ باقي زملائه، فيما تناولوا وجبة الإفطار، ثم استقلوا عربة أجرة حتى لا يتأخروا عن العمل:”كل واحد يجي الصبح يبصم يروح على شغله”. يقولها محمد أحد عمال المشروع، انتظر العمال عودة مركب “عم محمد”، لعبور على البر الثاني للمشورع، حمل الصياد ركابه “المركب دي بتشيل 5 أكترها”، تلاعبت أمواج الرياح بالمركب ـ من كثرة حمولته ـ على غير عادتها حتى انقلب على عقبيه بالعمال ليلقي 10 مصرعهم غرقًا فيما ينجو 4 آخرين بأعجوبة.
العاشرة صباحًا، تسارعت دقات قلب”أم عبد الرحمن”، تلقت اتصال هاتفي من رقم مجهول يخبرها بأن ابنها حدث لها مكروه في الشغل، هامت الأم تصرخ بعلو صوتها “ابني ابني”، حتي وصلت مقرعمله، فور وصولها شاهدت الأم تجمع كبير من الأهالي “ابني عبده فين .. هاتولي ابني”، حينها ظل شقيقها أحمد يواسي الأم والدموع لم تفارق عينيه ” كان لسه جاي إمبارح ملحقش يقعد معانا “.
تعلو أصوات الحاضرين ويختنق الصمت في لحظة تأمل ونور: “لقوا واحد و جايبينه”، تنتظر الأم على القارب البعيد وتولول “ياعبده أطلع .. برد قلب أمك” حينها يدلي المنقذ بأوصاف الغريق:”واحد وشه ابيض و جسمه جامد” ليصرخ شاب بعلو صوته من بين الأهالي:”أخويا حمدي ده .. محدش يشيله”، ثم ينتظر أمام سيارة الإسعاف شقيقه” محدش هيشيل أخويا غيري”.
7 ساعات من البحث أضني فيها العم”إسماعيل” ما بوسعه لانتشال جثث الضحايا “برمي السنار أنا من ناحية وابني من ناحية ونغطصه في قالب عشان لو في حاجه يمسك فيها”، ما بين رحلة انتشال غريق وآخر يخبر الصياد الأهالي”حد يدينا أوصاف الناس الغرقانين” تهيم سيدة صارخة “ابني سيف والبني طلعه من الميه”، حينها أخبر أحد العاملين بالشركة ” كلهم لابسين سيفتي برتقاني في أصفر”.
شدة التيار كانت عائقًا أمام فرق الإنقاذ والصيادين، في رحلة البحث عن المفقودين “طلعنا أخر واحد كان عن قرية أبو غالب”، فيما لازال البحث جاري عن الباقين حتى اليوم الثاني.
في مشهد مهيب ودع أهالي قرية “منية الديبة” بقلين، جثامين 4 ضحايا من غرق معدية “نكلا” بعد أن صرحت النيابة العامة بالجيزة، دفن الجثث، لمثواهم الأخير ” البلد كلها طلعت وراهم ولسه قاعدين 4 تاني”.
أمام موقع حادث غرق “معدية نكلا”، يفترشوا أهالي ضحايا المركب الغارق الأرض، ينتظرون خروج باقي الجثامين مطالبين المسؤولين بالتدخل :”عايزين ولادنا يطلعوا عشان ندفنهم”، فيما أمرت النيابة العامة الجيزة حبس صاحب المركب الغارق 4 أيام على ذمة التحقيقات.