حكومة جديدة لجمهورية جديدة (٣)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
سنناقش في هذا الجزء مقترحات للجهات التي يمكن أن تضطلع بعمليات وضع الرؤى والتنسيق والمتابعة والتقييم في إطار بناء حكومة جديدة فعالة قادرة على تحقيق رؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة.
وهنا من الأهمية بمكان العودة لفهم دور الحكومة التي عرفها علم السياسة وعلم القانون بأنها السلطة التنفيذية، أي هي السلطة المسئولة عن وضع الرؤى والسياسات والقرارات موضع التنفيذ. هذا لا يمنع أن تتقدم الحكومة بمقترحات لقوانين، ولكن تبقى مهمتها الرئيسية هي التنفيذ. ولذلك تتعاقب الحكومات في الدول المتقدمة علي تنفيذ رؤية ما بدون أن تتأثر الرؤية بتغير الحكومة وبدون تعريض الخطط والنظام السياسي لعدم الاستقرار.
وقد تباينت المدارس الفكرية حول طبيعة وشكل الحكومة، وهو الامر الذي يختلف من نظام سياسي لآخر ومن مجتمع لآخر، فالأهم أن يكون هناك انسجام وتنسيق بين أعضاء الحكومة. ولا يتحقق التنسيق بشكل فعال إلا في ظل حكومة سياسية، لأن أعضاء الحكومة السياسية لديهم قناعات سياسية متقاربة سواء كانت قناعات يمينية محافظة أو يسارية ليبرالية أو وسطية أو حتى قناعات قومية شعبوية. وهو الأمر الذي يسهل عملية التنسيق فيما بين أعضائها. وقد تنعكس تلك التوجهات السياسية على سبيل المثال في زيادة التشغيل والحد من البطالة فيتم التوسع في الصناعات كثيفة التشغيل وبالتبعية الاستثمارات التي تشغل أكبر عدد من الافراد. وقد يستتبع ذلك الاهتمام بالتعليم الفني والتدريب من أجل سد احتياجات المصانع والمنشآت من العمالة المدربة وهو ما يؤدى إلى زيادة المخصصات المالية للتدريب ورفع مهارات الأيدي العاملة ومن ثم الاهتمام بدور منظمات المجتمع المدني وعلى رأسها النقابات لتساهم وتساعد في تحقيق هذا التوجه…إلخ.
لذلك، وحتى تستقيم عمليات التنسيق لابد من وجود حكومة سياسية. أما بالنسبة لدور التكنوقراط والمتخصصين فقد نص الدستور المصري على دور ” الوكيل الدائم” الذي يعتبر ذاكرة الوزارة ويهو المتخصص في عمل الوزارة ومستشار الوزير في الشئون الفنية الدقيقة. وهو ما يفسر أن يكون وزير الصحة في بعض الدول المتقدمة ليس طبيبا لأن الوكيل الدائم طبيب.
وفيما يتعلق بالمتابعة، فصحيح أنه لابد وأن يكون لكل وزارة أو هيئة نظاما للمتابعة وتصويب المسار، غير أن هذه المنظومة لن تعمل بالشكل الملائم إلا في ظل وجود منظومة مرتبطة بها للتقييم. لذلك عُرفت باسم منظومة المتابعة والتقييم. وهذه المنظومة لا تعمل بإرسال كل جهة لتقارير وملفات، وإنما تعمل في معظم دول العالم المتقدم من خلال ” مركز الحكومة” Center of Government وهذا المركز ليس مركزاً بحثياً ولكنة منظومة رقمية بداخل الحكومة، في رئاسة الوزراء على سبيل المثال. وهذه المنظومة تضع معاييراً لتقييم الإنجازات والتحديات وكفاءة الانفاق والتشغيل والتواصل والاستدامة. وهي حلقة الوصل بين الحكومة وبين الشعب ممثلاً في البرلمان. كما أنها آلية جيدة لتقييم عمل الوزارات المختلفة وفق المعايير التي تم ذكرها. كما من شأن “مركز الحكومة” أن يقيم مستوى نضج منظومة الحوكمة في السلطة التنفيذية. وذلك من خلال متابعة طريقة اتخاذ القرارات ومشاركة الوزراء في صياغة هذه القرارات، بالإضافة لكيفية تخصيص الموارد اللازمة وتنسيق الوزارات فيما بينها من أجل توفير تلك الموارد.
إن كل ما سبق ليس بالمستحيل، ولكنه يتطلب بعض الجهد الذي تستطيع الدولة المصرية تحقيقه والوفاء به استناداً إلى تاريخها السياسي العريق وإلى مواردها البشرية الغزيرة وكفاءاتها المتميزة في كافة المجالات.
فإذا أردنا الانتقال فعلياً إلى الجمهورية الجديدة لابد من أن ننتقل في فكرنا من التركيز على الأشخاص في وزارات الحكومة الجديدة إلى الرؤية والمنظومة التي ستعمل الحكومة الجديدة وفقاً لها.