تآكل القيم وإنفاذ القانون (١)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
يوجد ترابط واضح بين الأخلاق والقانون، فكلاهما يعكس القيم السائدة في المجتمع. ورغم هذا الترابط الوثيق فهما ليسا نفس الشيء.
ويثور تساؤل أيهما يسبق الآخر: الأخلاق أم القانون؟ وقد يبدو للوهلة الأولى أن الأخلاق والقيم سبقت القانون الوضعي، غير أن القانون الإلهي المتمثل في الأديان السماوية شكل أساساً للقواعد الأخلاقية التي بدورها استلزمت وضع القوانين لصونها وحمايتها. مما يجعل كل من الأخلاق والقانون وجهان لعملة واحدة وهي قيم المجتمع.
كما لا يمكن القول إن القانون يسمح أو يبرر السلوك غير الأخلاقي كما يروج البعض، لأن الهدف من أي قانون هو تنظيم الحياة والتعاملات بين الأفراد لتحقيق الأمن والعدالة ومن ثم الاستقرار.
وقد يكون الفارق بين الأخلاق والقانون هو أن الأولى تنشد المثالية وتنزع نحو إقامة المجتمع المأمول والمنشود، بينما القانون يسعي نحو ” المجتمع الممكن” أو المجتمع في حدوده الأخلاقية الضرورية.
ويعكس القانون المعايير والقيم السائدة في المجتمع ويعمل على ترقيتها من خلال تنظميها.
وقد تناول العديد من الفلاسفة علاقة الأخلاق بالقانون وعلاقة القانون بالأخلاق مثل الفيلسوف ” إمانويل كانط” الذي رأى في القانون سلطة تتمتع بقوة الأمر الإلهي والتي يجب أن يخضع له الناس بشكل متساوٍ.
وفي مجتمعاتنا المعاصرة، وخاصة مجتمعاتنا في منطقة الشرق الأوسط توجد نزعة نحو فصل القانون عن الأخلاق والقيم، واعتبار الأخيرة أمراً ذاتياً وفلسفيا فحسب. في حين يُنظر للقانون باعتباره سلطة جبرية وأداة امتثال وتجريم فقط. وهذا الفصل ولد نوعين مختلفين من الخوف، فيخاف المجتمع من العذاب الإلهي عند إهمال القيم من جانب، ويخاف نفس المجتمع من العقاب والتجريم إذا خالفوا القانون من جانب آخر.
وقد يكون الخوف الثاني سابقاً على الخوف الأول اعتقاداً من البعض بأن حكم القانون آني ويمكن الإفلات منه وأن الحساب والعقاب الإلهي سيأتي يوم الحساب. فتكون النتيجة إهمال الجانب القيمي والأخلاقي. وليس أدل على ذلك من تكرار المخالفات القانونية بل عدم احترام القانون لإيمان بعضهم بعدم إنفاذه.
وتعتبر حوادث الطرق في بلدنا دليل بسيط على العلاقة الجدلية – عند الأفراد- بين الأخلاق والقانون. فسائق الحافلة أو السيارة أو المعدية يسير بسرعة تتجاوز السرعات المقررة والمنصوص عليها في القانون والتي تمت دراستها بعناية وفقاً لحالة الطرق وكثافة السيارات وأماكن الازدحام. ورغم ذلك يوجد إصرار على غض الطرف عن كافة تلك الاعتبارات في سبيل مكسب سريع وآنٍ، فتكون النتيجة فقدان الأرواح واحدة تلو الأخرى بدون اعتبار لقيمة الإنسان وحقه في العيش بأمان. وكم من المآسي نعيشها ونراها يومياً على الطرق تعكس هذا الفصام الذهني بين مراعاة الأخلاق والقيم واحترام القانون.
إن المجتمع المبني على القيم هو المجتمع الذي يحترم القانون. وإنفاذ القانون على المخالفين غير العابئين بالاعتبارات الأخلاقية هو عين احترام حكم القانون. ولا يجب أن يقف الأمر عند هذا الحد بل لابد من استدامة إنفاذ القانون وإعطاء الأولوية لنشر القيم والأخلاق الحميدة في الشارع المصري للحد من المآسي التي تكسر قلوبنا وتنشر الذعر والإحباط في المجتمع خوفاً من المزيد من تآكل القيم وعدم الاكتراث بقيمة الحياة.