منوعات

بناء الإنسان والدولة في مصر

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كل جماعة دينية أو صوفية أو سياسية طبقية تستدعي ميراث الأخويات المغلقة على ذاتها، وتحافظ على تراتبية معينة بين أفرادها إلى حد إعطاء سلطة مطلقة لقمتها على كل قواعدها تبلغ حد التقديس والطاعة العمياء، هي مظهر من مظاهر أزمة وهشاشة الإنسان في المجتمع الذي تنتشر فيه، وهي مؤشر على فشل الدولة في بناء الإنسان، وغياب النضج العقلي والوعي النقدي والتوازن النفسي لأبناء ذلك المجتمع.

كما أن تلك الجماعات تُمثل تهديدًا خفيًا لأمن ذلك المجتمع؛ حيث تخلق قبليات مُستحدثة تضعف مشاعر الانتماء والولاء للدولة، وتمزق نسيج المجتمع ووحدته، وتعمق الهوة بين أفراده ومكوناته وطبقاته؛ وبالتالي هي جماعات يتناقض وجودها مع فكرة ومُتطلبات الدولة المدنية الحديثة التي تسمح بالعمل المدني والاجتماعي وحرية الفكر والاعتقاد، لكن بشفافية كاملة تحت مظلة القانون ومراقبة مؤسسات الدولة.

ولتكن مخاطر “أخوية جماعة الإخوان” أمامنا دائمًا، ونحن نرصد ونحلل ونتعامل مع كل حالات الأخويات الأخرى الدينية والمدنية، لأن نموذج الحالة ذلك يوضح لنا كيف صار أتباع الجماعة أداة في يد قياداتها للضغط على الدولة وابتزازها، بعد أن أصبحوا بفضل مناهج تربيتها وأدبياتها عقولًا مغيبة، لا تفكر بل تقبل بشكل سلبي التعليمات والإرشادات تحت قاعدة: لا تجادل ولا تناقش أنت إخواني.

ولعل تجربتنا في العقود الماضية قد أثبتت لنا أن التعامل الأمني وحده غير قادر على إنهاء وجود تلك الجماعات والأخويات، وأن التعامل الثقافي والفكري هو الأكثر أهمية، وتلك النتيجة تجعل المدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية صمام أمان المجتمع والدولة؛ لأن بين جنباتها يجب أن يتم تكوين الفرد المستقل الناضج نفسيًا وفكريًا، القادر على التفكير بشكل علمي، ومواجهة مشكلاته بدلًا من الهروب منها بالارتماء في حضن جماعة أو أخوية تهبه إحساساً زائفًا بالقوة بعد أن تستلب استقلاله وحرية تفكيره وعقله.

وفصل المقال إن المشكلات والتحديات الاقتصادية التي تواجهنا في مصر اليوم، يجب ألا تمنعنا من إدراك أن بناء الإنسان أولوية قصوى في مشروع بناء الدولة، وأن الفرد الواعي في كل مجال هو البنية التحتية الأكثر أهمية للدولة، وهو من سيحميها ويحافظ على وجودها بوعيه الوطني، وقدرته على التلقي الإيجابي للخطابات المختلفة، والتمييز بوعيه النقدي بين الخطابات التي تحافظ على الوطن ومقوماته ووحدته واستقراره وأمنه، وبين الخطابات التي تبيع له الوهم، وتجعله في حالة غيبوبة عقلية، وأداة في يد قوى خفية تستغله ولا تريد الخير لوطنه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى