منوعات

النائحة المستأجرة

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يزال التمرد الذي قادته مجموعة ڤاجنر ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غامضاً ، ولا يزال السبب الذي دفعها الى التمرد أشد غموضاً .
وإذا كان العالم قد استيقظ في صباح الرابع والعشرين من هذا الشهر على نبأ التمرد ، فإن العالم نفسه قد راح يراقب الأوضاع في روسيا بكثير من الشغف والقلق .
ولماذا لا يتابع أخبار التمرد بكثير من الشغف والقلق ، إذا كان يفجيني بريجوجين ، قائد المجموعة ، قد قال خلال الساعات الأولى من تمرد مجموعته ، أن روسيا سيكون له رئيس جديد في القريب ؟!
هذا بالطبع كلام مثير وخطير ، وهو يدل على أن الموضوع أكبر من مجرد تمرد تقوده ڤاجنر، وأنه أوسع نطاقاً من نطاق المجموعة، وأن الرئيس الروسي يجد نفسه في أزمة مضافة إلى الأزمة مع أوكرانيا التي يواجهها منذ فبراير قبل الماضي ، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع البرلمان الروسي إلى أن يجتمع ، وإلى أن يقول أنه يدعم بوتين ويدعم معه وحدة روسيا .
ولا تعرف منذ متى وصلت العلاقة بين بوتين وبريجوجين الى هذا الطريق المسدود ، ولا منذ متى تحولت الصداقة التي سمعنا وقرأنا عنها بينهما إلى عداء سافر على هذه الصورة التي بدت مع الإعلان عن التمرد ؟!
إن محموعة ڤاجنر مجموعة قتالية روسية خاصة ، وقد كانت ولا تزال ذراعاً للروس في أكثر من ميدان للصراع في أنحاء العالم ، وبالذات في الدول الأفريقية ، وعندما غادرت القوات الفرنسية مالي وبوركينا فاسو في الشمال الأفريقي ، فإن عناصر من هذه المجموعة كانت هي التي حلت في محل القوات الفرنسية المغادرة ، وكانت عناصر المجموعة تجد ترحيباً في الدولتين ، وكان وجودها هناك بعلم الرئيس الروسي بالتأكيد ، لأن وجودها هو في النهاية صورة من صور النفوذ الروسي في القارة السمراء .
وفي الحرب الروسية على أوكرانيا ، كانت عناصر ڤاجنر موجودة ، وكانت تتقدم جنود الجيش الروسي في جبهات القتال ، وكان الفضل في بعض الانتصارات على الجبهة يعود إليها لا الى الجيش الروسي بجلالة قدره .
وكان بوتين يحرص طول الوقت على أن يضع مسافة بينه وبين المجموعة ، وبينه وبين رئيسها على وجه التحديد ، ولكن هذا لا ينفي أن علاقةً قوية كانت قائمة بينهما ، وأن بوتين كان يحتفظ بمثل هذه العلاقة لوقت الحاجة ، وقد جاء هذا الوقت عندما قاتلت عناصر ڤاجنر على الجبهة مع أوكرانيا بالنيابة عن الجيش الروسي النظامي .
كانت ڤاجنر ولا تزال أقرب الى النائحة المستأجرة ، التي تنوح على الموتى في الأرياف ، والتي تفعل ذلك دون أن تكون على معرفة بالميت ولا بأهله ، ولكن تفعله لأنها تتقاضى أجراً !
وقد فعلت ڤاجنر ذلك في دول كثيرة ، وكانت ولا تزال تضع نفسها طرفاً في النزاعات ، وتقاتل نيابةً عن آخرين ، وتحصل في سبيل ذلك على الكثير من المال .
وهي في النهاية ميليشيا ، أو أقرب الى ذلك ، وليس سراً أن الولايات المتحدة الأمريكية قد صنفتها منذ فترة جماعة إجرامية عابرة للحدود .
والدرس في موضوعها وفي تمردها ، أن وجود ميليشيا أو مجموعة مثلها في أي بلد خطأ كبير ، وهو خطأ لا يلبث حتى يتحول الى خطيئة .. هذا ما نراه في حالتها منذ الإعلان عن تمردها ، وهذا ما يبدو واضحاً في انقلابها على الجيش الروسي .
كان وجودها خطأ منذ البداية ، ولكن المشكلة أن الرئيس الروسي لم يدرك حجم هذا الخطأ إلا عندما انقلبت عليه هو ، ولم ينتبه الى خطورة وجودها إلا عندما اقتربت نارها المشتعلة من أطراف ثيابه !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى