المشروع القومي للثقافة (٣)
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
تحدثنا في الجزء الثاني حول الفرد الإنسان كأحد مقومات بناء المشروع القومي للثقافة.
في هذا الجزء سيتم مناقشة المؤسسات ومن بينها المجتمع كأحد مقومات بناء المشروع القومي للثقافة.
وفي الواقع هناك رأيان في هذا الصدد، الرأي الأول يقول إن الثقافة هي التي تنمي المجتمع، ومن هنا لابد من العمل على وضع وتحديد الإطار الثقافي والفكري في المجتمع. أما الرأي الآخر فيشير إلى ضرورة العناية ببناء المجتمع الذي يقوم فيما بعد بتحديد الإطار الثقافي الذي يوجهه وينظم حركته. وما بين هذين الرأيين يُولد رأي ثالث يقول إن بناء المجتمع وتطوير الثقافة حدثين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما، لأن كل منهما يصحح الآخر ويوجهه.
لذلك يعتبر المجتمع من أهم المؤسسات الثقافية الطبيعية التي تسبق في وجودها وتكوينها المؤسسات التي ابتكرها ومازال يبتكرها الفرد سواء أن كانت مؤسسات رسمية أو غير رسمية.
وعليه، يخلق التفاعل الاجتماعي والتواصل بين أفراده الروابط الاجتماعية التي تتبلور معها قيم صحية وسليمة كالتعاون والتسامح والمحبة، تترسخ معها عادات وتقاليد يرى أفراد المجتمع أنها تعبر عن هويته وحيويته ووجوده. ثم يأتي دور الثقافة في تقوية تلك البنية المجتمعية باعتبار أن الثقافة مؤسسة عضوية متطورة وقابلة للنمو. ومن أهم تلك الأدوار تنمية الوعي والتعلم لدي الأفراد من خلال نقل الخبرات التاريخية والمعرفة من جيل لآخر. بالإضافة إلى تعزيز التنمية الاجتماعية والثقافية عن طريق الحفاظ على الثقافات المحلية والفنون والحرف والصناعات اليدوية التي تمثل تعبيراً أصيلاً للهوية القومية الوطنية في المقام الأول، قبل أن تكون وسيلة أداة لجذب الاستثمارات وتحقيق التنمية الاقتصادية. كما أنه يندر أن يأتي سائح إلا ويريد أن يتعرف علي الخصوصية الثقافية وعادات وتقاليد المجتمع الذي يزوره. كما تعمل الثقافة على تعزيز الشعور بالانتماء والفخر للمكان والمجتمع والوطن. كما تساعد البنية الثقافية على عملية الفرز من حيث تحديد القيم المقبولة والقيم المرفوضة التي تنظم معاملات الأفراد مع بعضهم البعض بما يحد من الخلافات والصراعات المجتمعية. وهو ما يجعل أفراد المجتمع يساهمون في رعاية المعايير الثقافية للمجتمع ويتوافقون على معايير التطوير والتغيير أو ما يُعرف ب “العصرنة والحداثة” دون المساس بالصفات والخصائص الثقافية الرئيسية والتي تشكل الجذور الثقافية.
سنتناول في الجزء الرابع دور المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في بناء المشروع الثقافي القومي.