المحتوى السلبى على السوشيال ميديا .. وهل حقا يفضله الجمهور ؟!
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
مساحتان كبيرتان من محتوى منصات التواصل تتضخمان وتهيمنان على مدار الوقت حتى أصبح لا يصح تعريف محتوى السوشيال ميديا بعيدا عنهما وعن تأثيراتهما وإشكالياتهما وظواهرهما معا، أولاهما ما يتعلق بأنماط الحياة المترفة وتفاصيلها وما يرتبط بها من سلوك شخصيات المشاهير ونجوم الحياة العامة وما يترتب على ذلك من شائعات وحكايات وقصص وربما خيالات، وثانيهما كم ضخم متدفق ينجم من ولع بث وتحبيذ وتشيير الأخبار ذات المنحى السلبي والحزين عن كل شئ وأي شيء في الحياة، بدءا من تفاصيل شخصية ومرورا بكل ما هو يعبر عن طاقة سلبية تستجلب ماهو شارد من حزين وسوداوى الأخبار أو التصورات شرقا وغربا، بينما يكاد أن يختفى رويدا ما كان يشكل مظهر محتوى منصات التواصل قديما من اعتماد متنوع مهيمن على تشيير أخبار من مواقع الصحف المحلية والدولية ومن وكالات الأنباء ومن مواقع محطات وقنوات التليفزيون كاد ذلك يتلاشى إلا قليلا.
فهل يعبر ذلك عن تحول فى تفضيلات صناعة المحتوى والبث والتشيير والتعليق على منصات السوشيال ميديا؟ أم أنه تعبير عما صنعته حالة إدمان السوشيال ميديا من تشكيل مزاج ربما به بعض سمات اكتئابية لدى جمهورها صانع المحتوى الفردى “البروفايلات” الشخصية محتوى وتعليقا ومشاركة ونقلا ؟
سنجد أن كلا الوجهين يكملان بعضهما البعض، بمعنى أن حجم انتشار وبث والتعليق على حالات الترف من قبيل يوميات الساحل الجديد وحياة مطربي وأغاني المهرجانات وتتبع ما يتصوره البعض ضربات الحظ العشوائية – لمن يرونه لا يحمل من مؤهلات تلقى جدارة النعم شيئا!- هى تتضمن فى جوهرها حنقا وسخطا وحسدا كامنا يعبر عن وجه آخره هو الميل إلى بث ونقل والتعليق واللايك للسلبى من أخبار وحيث تتكفل آليات الانتقاء والترشيح الفردية – محملة بنوبات المزاج الفردى – بانتقاء وتفضيل وتشيير ما يراه من محتوى السوشيال الواسع ليكتسى المحتوى حزنا وظلا ثقيل وفلسفة لا جدوى.
تسأل لماذا ينخرط كل هؤلاء فى نقل وشرح و”تشيير” تلك الأخبار من حولهم ومن بين أيديهم ومن كل العالم؟ وهل يتابع الجمهور أو يفضل متابعة الأخبار السلبية أو المثيرة للقلق والمخاوف كنمط عام؟ ما تمنحه بعض مؤشرات البحوث من إجابات لا يمنح يقينا نسبيا هنا فى ظروف الأحوال العادية، لكنه يقول إنه يزداد فى فترات تصاعد الشعور بالقلق وفى سياق تعامل ومواجهة المشكلات الحياتية.
وقد اعتاد البعض أن يلقى بالمسئولية كاملة على طريقة تغطية وسائل الإعلام عامة وأنها سبب بما تمثله الأخبار السلبية من نسبة كبيرة من محتواها عالميا وهو أمر كان يمكن فهمه قديما عندما كانت وسائل الإعلام هى المصدر الرئيسى لأخبار السوشيال ميديا المتداولة قبل أن تنفرد منصات التواصل بجمهورها نسبيا، يصنعون هم المحتوى خالصا وسابقا كثيرا وشارحا ومنفصلا كثيرا عن أخبار وسائل الإعلام.
كما تظهر هنا رؤية مهمة وربما مؤسسة لفكرة إعجاب وتفضيل ثم استغراق الجمهور فى الأخبار السلبية، وهو أن هناك مقولة ربما تكون معبرة عن مزاج النشر على المنصات ووسائل الإعلام عامة، وهو أن ألف طائرة تهبط بأمان يوميا فى المطارات العالمية ليست قصة يفضلها الجمهور ويتابعها لكن طائرة واحدة لم تهبط بأمان تفعل ذلك، بمعنى أن هكذا تمنح الأخبار الجمهور ما يريده.
لكن تأثير هذا التيار من الأخبار السلبية ليس عابرا أو بسيطا، حيث تتوافر أدلة تؤكد أن طبيعة المحتوى الخبرى السلبى المكثف يؤثر بوضوح على الصحة العقلية للفرد، وأن تلقي وتعامل الجمهور مع تيار من الأخبار السلبية يمكن أن يجعله أكثر انغماسا فى مشاعر الحزن والقلق بل أن ذلك يسرع من وتيرة المخاوف الشخصية ويضخمها، بل تمضى مؤشرات الدراسات لتذكر أن مشاهدة دقائق معدودة وفقط من الأخبار السلبية في الصباح من المحتمل أكثر بنسبة تبلغ 27 ٪ أن تجعل من يراها يصف يومه كئيبا ومزعجا مقارنة بمن يتابع محتوى إيجابى.
عليك أن تقارن ذلك بما يفعله الجمهور “الطيب” ببعضه البعض من توصيل ضفيرة الحزن بفولت الأخبار السلبية ثم تبادل الضخ والتلقى والشير عبر صفحات السوشيال، وربما يرى البعض أنه لا جديد وأن الأمر طبيعى تماما ويتسق مع دورة حياة البشر وعاداتهم، وأن المسألة ليست فى كون البشر يفضلون متابعة وتدوير الأخبار السيئة، فهم بالطبع ليسوا مرضى عقليين ليفعلوا ذلك، ولكنه منحى التعامل مع أزمات ومشكلات شخصية وحياتية أصبحت سمة ملاصقة لإنسان العصر الحديث فى مواجهة تغييرات سريعة لا ينفلتون من وجودها وتأثيرها، وتحملها أنباء من كل العالم، يدفع ذلك الجمهور نحو تبنى آليات دفاعية هى تتبع الأخبار السلبية، بمعنى أن سعة الاطلاع عليها ونشرها ربما من وجهة النظر هذه هو من ضمن آليات دفاعية ذاتية ومجتمعية غير واعية لبناء وتلقى احساس بالدعم الوجدانى والنفسى، ويفسر البعض ذلك بأنه استجابة فردية تلقائية ليقين الخوف من المستقبل الذى يعتمل فى داخل كل فرد ويحرك دوافعه لتلقى السلبى والاستعداد له.
يشبه ذلك أن يرد البعض على سؤال لماذا تتابع ذلك؟ بالقول ساخرا هل سأتابع وأهتم وأقوم ببث ومشاركة أخبار تقول أن الطريق الذى أمر به كل يوم وأعرفه مازالت شجرته التى تنتصفه تثمر فى مكانها؟
كذلك هناك تأثير فى كثافة ضخ السلبى من الأخبار ينجم عن عملية جمع معلومات نشاط وتفاعل المشاركين على منصات السوشيال ميديا وما يجمعه جوجل ومحركه من تفضيلات المتابعة للأخبار السلبية ثم تغذية هذه الدورة من المتابعة، فتستمر دورة الشجن التى لن تكون قادرا على تحملها وحدك فترسلها لمن يتحملها معك.
لكن يظل دوما هناك حد، هو التشبع وحيث تتغلب داخليا مقولة حينها مقولة “مش ناقصه بقى” حين يصل مدى مطالعة الأخبار السلبية حد مصدات الرفض التام أو عدم التأثر، هنا تنطلق دورة عكسية تماما تندفع بقوة نحو مساحات البحث عن الترفية والرغبة فى تجنب وقراءة ومتابعة السلبى فى اتجاه المساحة الترفيهية السابقة الأخرى المهيمنة من المحتوى فتزيد مساحتها أكثر وذلك حتى فى أشد الأزمات الشخصية والمواقف ضيقا.
وربما يكون صالحا هنا القول بأن هناك دوما ما هو سلبى من أخبار فى كل العالم وتحدث منذ قديم الأزل وعلى مدار الأزمان، وأن ذلك يتم نقله للجمهور عبر الأخبار، وأن ذلك دورا إعلاميا مهما وربما أيضا يعبر عن حاجة لدى الجمهور لمعرفة كل مايحدث فى الكون، بما فى ذلك من أخبار سلبية ربما بدواعي الفهم والحذر والاستعداد، لكن يظل أن متابعة ذلك طوال الوقت بحيث يكون نمطا هو الغباء والسوء ذاته.