منوعات

المتحف اليوناني الروماني.. قصة أول بناء لحفظ كنوز الإسكندرية بعد الهجوم البريطاني (صور)


12:13 ص


الخميس 18 مايو 2023

الإسكندرية – محمد البدري:

بعد سنوات من الغلق قاربت الـ18 عامًا، تستعد وزارة السياحة والآثار لافتتاح المتحف اليوناني الروماني خلال الفترة المقبلة بعد إتمام أعمال التجهيز المقررة في يونيو المقبل، والذي سيعد نقلة كبيرة لمحافظة الإسكندرية باعتباره المتحف الوحيد المتخصص في الحضارة اليونانية الرومانية.

المتحف الذي بدأ العمل في مشروع ترميمه عام 2018، يُعد تحفة فريدة من نوعها، فهو أقدم المباني التي شيدت بهدف أن تكون متحفًا على عكس مبان أخرى كانت في الأصل قصورا ملكية وجرى تحويلها إلى متاحف.

“مصراوي” يرصد في التقرير التالي لمحات من تاريخ المتحف الذي يصل عمره إلى 131 عامًا.

كنوز لا حصر لها تبحث عن متحف.. قصة فريدة وراء التأسيس

يقول الدكتور إسلام عاصم، أستاذ مساعد التراث والتاريخ الحديث والمعاصر بالمعهد العالي للسياحة والفنادق، نقيب المرشدين السياحيين السابق، إن المتحف الذي تأسس قبل نحو 131 عامًا، أُنشئ بجهود رموز المجتمع السكندري في هذا الوقت، والذين كان أغلبهم من أعضاء مجلس بلدية مدينة الإسكندرية – المجلس الشعبي المحلي – وهم من جنسيات مختلفة بما يعكس طبيعة الحياة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في هذا الوقت.

وأضاف عاصم لـ”مصراوي” أن الإسكندرية مرت بمرحلة إعادة الإعمار في نهاية القرن التاسع عشر بعد الدمار الذي تسببت فيه مدافع الاحتلال البريطاني أثناء الهجوم على المدينة الساحلية، وأثناء تلك المرحلة نتج عن عمليات التوسع المعماري عددا كبيرا من الاكتشافات الأثرية ترجع للعصور اليونانية والرومانية.

وتابع أن الاكتشافات الأثرية دفعت رموز المجتمع لبحث إنشاء صرح يجمعها للحفاظ عليها باعتبارها إرثًا تاريخيًا للمدينة، على أن يقوم كبار رجال المدينة بإهداء القطع التي يُعثر عليها في أراضيهم إلى المتحف، وهذا ما يفسر إطلاق أسماء مثل “أنطونيادس، والأمير عمر طوسن، ومنشا” على قاعات المتحف قبل غلقه للترميم.

وأوضح أن فكرة إنشاء المتحف كانت رغبة وإرادة مجتمع أكثر من أي شيء آخر، حيث لم يكن المشروع ضمن أهداف الخديوي عباس حلمي الثاني الذي افتتح في عهده، وإنما جرى ذلك بجهود من مجلس بلدية المدينة الذي يمثل المجتمع السكندري آنذاك، لافتًا أن المتحف افتتح رسميًا عام 1892 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وفقًا لأرشيف وزارة الآثار.

وأشار إلى أن المتحف ظل يؤدي رسالته العلمية والثقافية والتعليمية للزائرين من المصريين والأجانب إلى أن صدر قرار الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار في 2005 بالغلق للتطوير، وهو ما بدأ الاستعداد له بجرد جميع مقتنيات المتحف وتوثيقها، وترميم ما يلزم منها قبل تغليفها ونقلها إلى المخازن المتحفية، كما جرى إعارة مجموعتين من القطع لمتحف آثار مكتبة الإسكندرية ومتحف الإسكندرية القومي لتعرض بهما مؤقتًا.

“بريشيا” يروي كواليس بناء المتحف في كتاب عمره 100 عام

اطلع “مصراوي” على كتاب “بلدية الإسكندرية وصف المدينة القديمة والحديثة والمتحف الروماني اليوناني” وهو كتاب باللغة الفرنسية عن المتحف، كتبه قبل 100 عام عالم الآثار الإيطالي “إيفاريستو بريشيا” وهو ثاني مدير للمتحف وأدار شؤونه في السنوات الأولى بعد وفاة المؤسس “جوزيبي بوتي”، وذكر الكتاب أن الآثار كانت مشتته وكان يتم الكشف عن المزيد منها بشكل متتابع ما أدى إلى التطلع للتوسع في أعمال التنقيب حتى تأكد الجميع أن الإسكندرية تخفي في أرضها ثروة هائلة من الآثار التي قد تحمل الشهرة إلى البعض.

ويستكمل “بريشيا” في كتابه أن الاكتشافات نجحت في جذب اهتمام السكان ومجلس البلدية والحكومة ووافق الجميع على مشروع إنشاء المتحف بدعم مالي مجلس البلدية التي دفعت النفقات اللازمة للمباني والموظفين والحفريات وصيانة القطع المكتشفة.

وكان هدف بناء المتحف وفقًا لرأي مؤسسه الأول عالم الآثار “جوزيبي بوتي” هو جذب فئة كبيرة من الجمهور والعلماء لتشاهد الأثار المجمعة فى الإسكندرية والتي تمثل تاريخ مدينة الإسكندرية من خلال النقوش والمنحوتات والتماثيل الجنائزية.

ويوضح الكتاب الذي صدر قبل أكثر من 100 عام أن المتحف بني على فترات ولم يكن يحوي كل الغرف والقاعات المعروفة في الوقت الحالي، إذ افتتحت البلدية المبنى المخصص في عام 1895 وبدأت بقاعة مستطيلة بالجناح الغربي تضم حولها 10 غرف، وفي عام 1896 بنيت قاعتين أخرتين، وفي عام 1899 بمناسبة ولادة ولي العهد الأمير عبد المنعم تم افتتاح القاعات (13-16)، وفي عام 1904 تم افتتاح القاعات من 17 إلى 22، وكانت الاكتشافات تساهم في سرعة التوسع وصولًا لدمج القاعات في مبنى واحد يمثل تخطيط المتحف الحالي.

مراحل التوسع

ضم المتحف في بداية تأسيسه 11 قاعة تحوي المئات من القطع الأثرية من عصور مختفلة، ثم تتابعت إضافة القاعات حتى وصل عددها بعد التطوير الذي تم في 1984 إلى 27 قاعة، بالإضافة إلى الحديقة المتحفية، ويرجع تاريخ معظم مقتنيات المتحف إلى الفترة الممتدة ما بين القرن الثالث ق.م حتى القرن الثالث الميلادي، وتشمل العصرين البطلمي والروماني وكذلك العصرالقبطي.

أزياء وقصات شعر .. كتالوجات أثرية مجسمة توثق أقدم صيحات الموضة المصورة في التاريخ

يتميز المتحف عن غيره باحتوائه على أكبر مجموعة في العالم من تماثيل “التيناجرا” وهي مصنوعة من الطين كانت بديلًا لكتالوجات الموضة المعروفة في العصر الحديث وهي تمثل الموضة في العصر الروماني اليوناني، وتعد مصدرا اجتماعيًا للتعرف على سيدات الإسكندرية خلال العصر البطلمى ومستوى الجمال البشري والطبقة الاجتماعية والأزياء وأساليب تصفيف الشعر في الإسكندرية قبل ما يزيد عن ألف عام.

أكبر تمثال إمبراطوري ضمن مقتنيات نادرة في المتحف

ويضم المتحف أكبر تمثال في العالم يمثل الإمبراطور دقلديانوس مصنوع من مادة “البروفير” وهو نوع من الحجر الأحمر النادر، فضلًا عن المئات من القطع القبطية والآلهة اليونانية والأباطرة الرومان وعدد من الممياوات، كما يضم تمثال الإله سيرابيس أو عجل أبيس الشهير والذي أراد به حكام مصر آنذاك في التقريب بين الشعب المصري وأصحاب الحضارات اليونانية الرومانية في عقيدة دينية واحدة.

كما يضم المتحف العديد من الأواني الإغريقية الرومانية المستعملة في الحياة اليومية وفي المعابد والمناسبات والأعياد ودمي للعب الأطفال على هيئة حيوانات، كما يضم المتحف عناصر معمارية من بقايا مبانى ومقابر الإسكندرية ذات الطابع المصري اليوناني المختلط.

ووفقًا لمصدر بوزارة الآثار المصرية كشف المتحف عن مقبرتين هامتين إحداهما من العصر البطلمي عثر عليها بمنطقة سوق الورديان غربي الإسكندرية والأخرى ترجع إلى العصر الروماني وقد تم قطعهما ونقلمها إلى الحديقة القبلية للمتحف ويحتوي المتحف على عدة قاعات كل قاعة تضم مجموعة من الآثار في العصور المختلفة.

مكتبة المتحف.. مخطوطات نادرة تؤرخ للإسكندرية القديمة

تُعد مكتبة المتحف اليوناني الروماني واحدة من أهم المكتبات الموجودة بالإسكندرية إذ تزخر بالعديد من الكتب النادرة، وكان جرى نقلها إلى قاعة بالمتحف البحري حتى تكون متاحة للدارسين، وفي سبتمبر 2010 أزيل سقف المكتبة الأصلي لإنشاء الطابق الثاني كما هو مخطط طبقًا للتصميم الجديد للمبنى بعد التطوير، ليتوقف العمل عقب ثورة 25 يناير 2011، حتى جرى العمل بمشروع الترميم عام 2018 ضمن خطة الدولة لتطوير وترميم عدد من المشروعات الأثرية.

اكتمال المشروع آخر شهر يونيو

قال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إنه من المقرر الانتهاء من أعمال مشروع تطوير المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية آخر يونيو المقبل، تمهيدا لافتتاحه الوشيك.

وأضاف أن كافة الأعمال بالمتحف قاربت على الانتهاء، لافتًا إلى أنه جاري الآن العمل على وضع القطع الأثرية داخل فتارين العرض المتحفي، طبقًا لسيناريو العرض المقرر.

وأكد أن افتتاح المتحف سيكون نقلة كبيرة في خريطة السياحة العالمية لمحافظة الإسكندرية، كونه المتحف الوحيد المتخصص في الحضارة اليونانية الرومانية، خاصة أنه سيضم عددا من القطع الأثرية تعود للحضارة اليونانية والرومانية والتي سيتم عرضها لأول مرة.

وتخطت نسبة الأعمال المنجزة بمشروع الترميم بالمتحف اليوناني الروماني 86% حتى الآن، بما شمل أعمال العرض المتحفي ونقل القطع الأثرية، وفق ما أعلنته وزارة الآثار.

41 ألف قطعة أثرية

أوضح مؤمن عثمان، رئيس قطاع المتاحف بالمجلس الأعلى للآثار، أن المتحف اليوناني الروماني يضم 41 ألف قطعة أثرية بين معروض ومخزون، من بينها تمثال من الرخام الأبيض للمعبودة أفروديت ترتدي الصندل الخاص بها وبجوارها الكفل ايروس المجنح، وتمثال رخامي للمعبود سيرابيس وآخر للامبراطور ماركوس أوريليوس وغيرها من القطع المتميزة.

وأضاف أن مشروع التطوير بالمتحف يتضمن مضاعفة مساحة العرض المتحفي وأعمال دهانات حوائط المتحف من الخارج والداخل وتدعيم الحوائط القديمة للمتحف بهيكل حديدي، وترميم واجهة المتحف القديمة الكلاسيكية، فضلًا عن تطوير منظومتي الإضاءة والمراقبة.

وأشار إلى أنه جرى رفع كفاءة الخدمات المقدمة للزائرين بما يعمل على تحسين التجربة السياحية وجعلها أكثر جاذبية ويسرا، حيث تم تزويد المتحف بكافيتريات وبيوت للهدايا، وإتاحة المتحف لاستقبال السياحة الميسرة من ذوي الهمم، حيث تم تخصيص دورات للمياه ومصاعد، وأماكن للتربية المتحفية لهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button