منوعات

الله والإنسان والطوفان

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

عرفت ديانات العالم التوحيدية (اليهودية والمسيحية والإسلام) وغير التوحيدية من أديان وضعية من صنع البشر في حضارات مختلفة فكرة نهاية العالم، ثم إعادة بعثه، وتأسيس حياة جديدة على الأرض من خلال بشر مختارين.

تجسدت هذه الفكرة في السرديات الكبرى التي جاءت بها الأديان، مثل “قصة الطوفان” الذي اجتاح الأرض كعقاب للبشر على ظلمهم وتجبرهم، واستنزافهم مقومات الحياة المادية، ومخالفاتهم الفطرة الإنسانية والقيم الأخلاقية.

كما تجسدت هذه الفكرة حديثاً في السينما العالمية التي قدمت أساطير معاصرة لنهاية العالم، كما هو الأمر في فيلم (Knowing) بطولة النجم الأمريكي القدير نيكولاس كيدج، ومن إنتاج عام 2009.

يستلهم هذا الفيلم قصة الطوفان التي جاءت في السرديات الدينية الكبرى، لكنه يضفي عليها طابعاً علمياً، ويًعطيها شكلاً جديداً؛ لأن نهاية العالم فيه تأتي من حدوث نشاط كبير في التركيب الداخلي للشمس يؤدي إلى انفجارها، واحتراق وتلاشي كل الكائنات الحية والموجودات على سطح الأرض.

لكن ذلك لا يحدث إلا بعد أن تهبط إلى الأرض كائنات سماوية، لتقوم بإنقاذ طفل وطفلة مختارين بمعايير خاصة، والرحيل بهما عن الأرض قبل خرابها، لكي يكونا نواة لإعادة إنتاج الجنس البشري من جديد، وتجديد الحياة على الأرض، لينتهي الفيلم برسالة حاسمة هي: “وحدهم المختارون يذهبون”.

وأظن أن فكرة الطوفان ونهاية العالم في سرديات العالم القديم أو في تلك السردية العلمية السينمائية الحديثة، تثبت بشكل ضمني وجود الله، وأن للعالم خالقا مدبرًا معتنيًا بالإنسان والعالم.

وهي تُسقط كل الأفكار المادية حول نشأة العالم، التي تستبعد أنه مخلوق من العدم بواسطة إله، وتُعطي للإنسان المادي السيادة المطلقة على الأرض.

كما أنها تحمل رسالة ضمنية للإنسان الظالم المُتجبر المغرور بقوته وبأوهام سيطرته على الأرض، وهي رسالة مؤادها: أيها الإنسان لست إلهاً.

وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك في قول الله- تعالى: “… حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ…” سورة يونس: الآية24.

وأظن أن مضمون هذه الآيه يُثبت لكل صاحب عقل يُفكر أن لهذا الكون ربا خالقُا قادرًا، له الكلمة الأخيرة في تدبير شئون هذا الكون، وقلب حسابات ومُخططات مراكز القوى التي تظن أنها ملكت بقوتها كل مقًدرات الأرض إلى ما لا نهاية.

كما يُثبت مضمون هذه الآيه فكرة جدل قيام الحضارات وسقوطها الذي تحدث عنها فلاسفة التاريخ والحضارة، وأن للطوفان تجليات وصور كثيرة، وأن دوام الحال من المحال، وأن لكل شيء مخلوق ولكل حضارة وقوة مادية مصنوعة، بداية ونهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى