الصداقة الإيرانية الروسية… استمرار التعاون والشراكة بعد وفاة رئيسي
10:34 ص
الجمعة 24 مايو 2024
واشنطن- (د ب أ)
ثارت تساؤلات عقب وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، حول مستقبل العلاقات بين إيران وروسيا، والتي حققت نموًا واسعًا خلال السنوات الأخيرة، فماذا ينتظر هذه الشراكة الاستراتيجية بعد رحيل شخصية كانت محورية في التواصل بين البلدين؟
وتقول الباحثة نيكول جراييفسكي في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنه في تمام الساعة العاشرة مساء، يوم الأحد الماضي، في موسكو، عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا طارئا مع مبعوث إيران إلى روسيا، كاظم جلالي.
وكان ضمن الحضور بعض الشخصيات الأكثر نفوذا في ممرات السلطة الروسية، وهم وزير الدفاع الروسي المعين حديثا أندريه بيلوسوف، وأمين مجلس الأمن الروسي سيرجي شويجو، ورئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف.
وكان الهدف الأسمى للاجتماع هو تقديم دعم موسكو الواضح لجهود إيران المستمرة في العثور على المروحية التي كانت تقل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، أما الرسالة الأساسية للاجتماع رفيع المستوى، غير المعتاد، فكانت واضحة، وهي أن التزام روسيا تجاه إيران لن يكون مرتبطا برئيس واحد فقط.
وفي غضون ساعات بعد انتهاء الاجتماع، تم إرسال طائرتين وحوالي خمسين من قوات الإنقاذ الخاصة من موسكو إلى مدينة تبريز الإيرانية. ونشرت وزارة الطوارئ الروسية عدة مقاطع فيديو تظهر الاستعدادات.
وعلى الرغم من أن إيران كانت أعلنت رسميا عن وفاة رئيسي وأمير عبد اللهيان بحلول الوقت الذي هبطت فيه الطائرات الروسية، لابد أن إيمان طهران بشراكتها مع روسيا كانت تعزز بهذا العرض التضامني.
وتقول جراييفسكي إن تحرك روسيا في المراحل الأولى من عمليات البحث والإنقاذ عكس الأهمية التي توليها موسكو لعلاقاتها مع طهران منذ بدء حربها في أوكرانيا عام 2022، فقد اعتمدت موسكو على الطائرات المسيرة والذخائر الإيرانية لدعم آلتها الحربية.
وفي مواجهة العقوبات الغربية، لجأت روسيا إلى إيران للحصول على أساليب تكتيكية، وللوصول إلى شبكات السوق السوداء لتجاوز العاصفة الاقتصادية.
وبعيدا عن الضروريات المباشرة للحرب في أوكرانيا، وجدت روسيا وإيران أرضية مشتركة في جهودهما لقمع المعارضة الداخلية، وهي سمة مميزة لفترة رئاسة رئيسي. وعزز تبادل أفضل الممارسات في هذا الصدد العلاقة بين البلدين، حيث يعملان معا للحفاظ على قبضتهما على السلطة وقمع المعارضة الداخلية.
وجرى تخليد التحسن الذي طرأ على العلاقات بين روسيا وإيران خلال فترة رئاسة رئيسي، في رسالة بعث بها الرئيس بوتين إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بعد الحادث. ووصف بوتين رئيسي بأنه “صديق حقيقي لروسيا قدم إسهاما شخصيا لا يقدر بثمن في إقامة علاقات حسن الجوار، إلى جانب جهود واسعة للارتقاء بها إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية”. واختتم بوتين رسالته قائلا إنه “سيظل يتذكر (رئيسي) كأروع شخص.”
ورغم ذلك، ترى جراييفسكي أنه بالنسبة للعديد من الإيرانيين، كان رئيسي أي شيء آخر إلا ذلك، حيث إن سمعته كمتشدد محافظ ودوره في عمليات الإعدام الجماعية للسجناء السياسيين والتي تعود لعام 1988، والمعروفة باسم “لجان الموت”، أكسبته لقب “الجزار” بين جماعات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان.
وأضافت أن رئيسي أشرف أثناء توليه مقاليد الرئاسة على “حملة قمع وحشية للاحتجاجات والمعارضة”، أبرزها تلك التي أشعلتها وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها لدى الشرطة في عام 2022.
ويبرز التناقض الصارخ بين نعي بوتين، المفعم بالثناء، وصورة رئيسي بين العديد من الإيرانيين، الأولويات المتباينة التي ترتكز عليها العلاقة بين روسيا وإيران.
وبالنسبة لموسكو، كان موقف رئيسي المتشدد واستعداده لتعميق العلاقات مع روسيا رصيدا قويا. وتشير جراييفسكي إلى أن “التعاون مع مستبد متشابه الفكر، وله ميل لمواجهة الغرب، أثبت أنه ذو قيمة خاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا”.
ومع ذلك، لم يكن رئيسي فريدا في آرائه، بل كان انعكاسا لنظام سمح له بالارتقاء إلى السلطة. وخلال مسيرته المهنية، حظي رئيسي برعاية خامنئي، مما مكنه من الصعود السريع في صفوف القضاء الإيراني، حيث اكتسب سمعة واسعة لولائه لمبادئ الجمهورية الإسلامية الأساسية.
وكان توافق رئيسي مع رؤية خامنئي محوريا ليضمن له الفوز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2021، مما جعله طرفا رئيسيا في المؤسسة المحافظة الإيرانية ومرشحا محتملا لمنصب المرشد الأعلى مستقبلا.
وبحسب جراييفسكي، جاء فوز رئيسي ليمثل دلالة على انتقال أكبر داخليا، بعيدا عن محاولة الإدارة السابقة الفاشلة للانفتاح على المجتمع الدولي من خلال خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني، والتي تُعتبر الآن فاشلة من قبل المرشد الأعلى ومستشاريه المقربين. وعلى وجه الخصوص، أدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب وإعادة فرض العقوبات إلى توجيه ضربة قوية لجدول الأعمال الإصلاحي.
وأدى هذا التحول في الأحداث إلى تهميش الفصائل الإصلاحية وتوفير فرصة للأصوات المحافظة لإعادة تأكيد نفوذها.
وتقول جراييفسكي إن سنوات رئاسة رئيسي شهدت تحولا في السياسة الداخلية والخارجية لإيران. وقد شملت الأخيرة تركيزا أكبر على علاقات إيران مع الصين، وكذلك مع روسيا، على الرغم من أن هذا التطور ليس نتيجة لقيادته فقط. وفي النظام السياسي الإيراني، يتم تشكيل السياسة الخارجية بشكل كبير من قبل المرشد الأعلى بمشاركة مجموعة من المستشارين وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي وهيئة الأركان العامة والحرس الثوري الإسلامي.
وتتمتع هذه الكيانات بنفوذ كبير فيما يخص العلاقات الدولية لإيران، وغالبا ما تطغى على دور الرئيس، وبعبارة أخرى، كان رئيسي يعمل كواجهة لتنفيذ خيارات السياسات التي تفضلها المؤسسة الحاكمة التي رأت في روسيا، على نحو متزايد، بديلا مناسبا لمواجهة الضغوط الغربية.
وترى جراييفسكي أنه يمكن تتبع تعزيز العلاقات بين إيران وروسيا في تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية عام 2015، حيث وجدت الحكومتان نفسيهما متوافقتين في دعمهما لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
ومهدت حملتهما المشتركة الطريق أمام توسيع أكبر لقنوات التعاون العسكري بين موسكو وطهران. وكانت هذه العلاقات حاسمة خلال فترة رئاسة رئيسي، حيث برزت إيران كمورد رئيسي للمعدات العسكرية لروسيا في حربها في أوكرانيا.
وقدمت روسيا أيضا عدة “انتصارات” لرئيسي في سياسته الخارجية من خلال تيسير انضمام إيران لمنظمة شنغهاي للتعاون وحمايتها من التدقيق بشأن برنامجها النووي.
وساعدت هذه النجاحات في تعزيز الحديث بشأن تعاظم نفوذ إيران وقدرتها على المقاومة أمام الضغوط الغربية.
وتخلص جراييفسكي إلى أن وفاة رئيسي، الذي كان على مدار فترة طويلة مدافعا قويا عن العلاقات الروسية الإيرانية، تأتي في ظل التغييرات الأخيرة في روسيا، بما في ذلك تعيين وزير دفاع جديد. لكن الدعم السريع والمنسق من موسكو يبدو أنه يشير إلى جهودها لإظهار أن العلاقات الروسية الإيرانية لن تتأثر بالتغييرات الداخلية في أي من البلدين.
وأي كان خلف رئيسي، ستسعى روسيا إلى أن يكون لها دور مهم في السياسة الخارجية الإيرانية كشريك، لتجاوز الشعور بالعزلة وكحاجز ضد الضغوط الغربية.