الذكاء الاصطناعي، الإنجاز الخفي في دراما رمضان 2024
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
لم تكد تمر أشهر قليلة على اختراع توماس إيدسون لجهاز “كينتوسكوب” حتى قرر المخرج الأمريكي ألفريد كلارك، أن يستخدمه في فيلم “ماري ملكة اسكتلندا” الذي عُرض عام 1895 حاملًا معه أول حيلة سينمائية في التاريخ، هذا من ناحية، وليربط بين التقدم التكنولوجي والسينما والتلفزيون من ناحية أخرى، وقد تأكد ذلك مع كل تطور حدث حتى وصلت الخدع السينمائية مصر على يد المخرج نيازي مصطفى في فيلمه الشهير “سر طاقية الإخفاء” عام 1959، وبدأنا نرى على الشاشة لأول مرة أناس يظهرون ويختفون في ثانية.
لكن رغم التطور بمقاييس العصر، لم يكن الأمر بهذه السهولة، يؤكد ذلك مذكرات فنانين مثل يوسف وهبي وأوراق نقّاد مثل كمال رمزي، فتلك الحيل كانت تتسبب في الكثير من الأخطاء سواء بتعطّلها ما يجعل هناك فجوات داخل المشهد الواحد، ناهيك عما تستغرقه من وقت نتيجة أدائها المتواضع مقارنة بالآن، وربما لن أجازف إن قلت إن معظم المشاهد التي نسخر منها الآن مثل وقوع رجل وحده أثناء معركة، وما إلى ذلك، هي نتيجة لتلك الإمكانات المتوسطة.
لكن مع ثورة الاتصالات، وظهور الذكاء الاصطناعي، لم يكن من المقبول ظهور تلك العيوب، وكأي اختراع جديد يُستخدم دومًا في عالم الفن، دخلت أدوات الذكاء الاصطناعي لكن تلك المرة لا لتُحدث مجرد تغيير، بل انقلاب بالمعنى الحرفي للكلمة، ففي تلك اللحظة التي أكتب فيها، يُستخدم الذكاء الاصطناعي في كل مراحل العمل الفني بداية من اختيار فكرة بعد عرض نماذج كثيرة عليه يستوحي هو من خلالها نموذج مشابه، ووصولًا إلى إنشاء المسودات الأولى للمشاهد، بل وإعادة تصوير المشاهد بدقة أفضل حتى لو كان الممثلون غير موجودين ويتم ذلك بإيجاد نسخ افتراضية منهم، بالطبع ناهيك عن مراحل المونتاج والخدع البصرية وما إلى ذلك، ما جعل البعض يؤكد أن الذكاء الاصطناعي صار وحدة فنية متنقلة وإن كان ذلك يهدد بفقدان الكثير من الوظائف لكنها الحقيقة التي لا تقبل الشك، والتي أجبرت مهرجان مثل صاندانس السينمائي بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تخصيص نسخته في يناير الماضي لمناقشة تلك الإشكالية.
ما يحدث في العالم ولُحسن الحظ لم يستغرق وقتًا طويلًا ليطبق في القاهرة، فمن خلال متابعتي لبعض الأعمال الدرامية وبصفتي متخصصًا في هذا المجال، أدركت أن كثيرًا من دراما رمضان استخدمت الذكاء الاصطناعي لظهورها كما رأينا، ففي مسلسل حق عرب مثلًا تم استخدامه لإنشاء تأثيرات بصرية مثل تحويل الممثلين إلى شخصيات أصغر سنًا، ليبدو أبطال العمل في حقبة التسعينيات، وفي مسلسل الحشاشين تم استخدامه لتصوير المعارك والمشاهد الملحمية وبناء القلاع الضخمة، أما مسلسل السيرة فقد تم توظيف الذكاء الاصطناعي في إنتاج رسوم متحركة ثلاثية الأبعاد، وكذلك المسلسل السوري “البوابات السبع” الذي يعد أول عمل سوري يستخدم تقنية الذكاء الاصطناعي.
وكما تنبأ الممثل الأمريكي توم هانكس منذ أشهر، حين قال في تصريح موجز، إنه الآن وبسبب الذكاء الاصطناعي بات على يقين بأن بإمكانه الظهور فنيًا حتى بعد وفاته، حدث ذلك في مسلسل “بقينا اتنين” إذ تمكّنت التقنيات الجديدة من استرداد الفنان الراحل طارق عبد العزيز لاستكمال مشاهده.
بالطبع تلك الثورة الغائبة عن نقّاد الفن، لها الكثير من السلبيات، فكما اندثرت مهنة المترجم بسبب ظهور الكمبيوتر ومحركات البحث القادرة على فعل ذلك بكل سهولة، ستندثر بعض المهن الفنية خاصة في مجال الخدع البصرية والمونتاج، كما أن تلك السلطة المذهلة ستجعل العمل الفني تحت رحمة شركات التكنولوجيا، لكن في المقابل فإن هناك آثار إيجابية ملموسة مثل تحسين جودة الإنتاج وجذب جمهور أوسع وتقليل التكلفة ما يزيد من الإنتاج بالضرورة، وسواء شئنا أم أبينا واختلفنا أم اتفقنا، فمن تباكوا على “لمبة الجاز” كانوا أول تأقلموا على زر الكهرباء، ورغم وجود السلبيات لكن لا أحد يقف ضد الزمن.