التضخم ووحدة الاقتصاد والأخلاق
جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
في الماضي القريب، أي منذ الثورة الصناعية الأولى في القرن الثامن عشر بدأ الانسان يشعر بعدم الأمان بسبب زيادة احتياجاته وقلة موارده. فبدأ شعور ” الندرة ” يتسرب إلى الفرد.
وعلى الرغم من زيادة المنتجات والسلع بغزارة، مازال الانسان في كل أنحاء العالم يشعر بالندرة وعدم السعادة.
وقد عبر الاقتصادي الإنجليزي ” جون ماينارد كينز” عن هذا التخوف في مقال كتبه عام ١٩٣٠ بعنوان ” المستقبل الاقتصادي لأحفادي”. وكأن ” كينز” يعيش بيننا الآن ونحن نتساءل: كيف سيكون المستقبل الاقتصادي لأولادنا وأحفادنا؟.
إن الإجابة على هذا التساؤل تقتضي العودة إلى التاريخ للتعرف على أسباب الندرة وغياب السعادة رغم وفرة الإنتاج. والإجابة باختصار هي التضخم والزيادات غير المبررة في الأسعار إما بسبب أنشطة احتكارية أو ربوية جعلت من اكتناز المال والثروات مرضاً يلهث العالم من أجل تحقيقه. وكانت النتيجة أن زادت الفجوات بين الأغنياء والفقراء داخل الدولة الواحدة وبين الدول بعضها البعض.
وقد أرجع العديد من المفكرين وجود الندرة رغم تحقق الوفرة إلى انفصال الاقتصاد عن الأخلاق، أو تراجع الوحدة بين الاقتصاد والأخلاق. ففي الماضي كان الفرد مكتفيا بإنتاجه ولا يسعى لتحقيق أرباحاً مبالغ فيها، بل كان يعمل من أجل إرضاء الله في المجتمعين الغربي والشرقي.
وقد تحدث المفكر الأمريكي ” بنجامين فرانكلين” في القرن السابع عشر وعالم الاجتماع الألمانى” ماكس فيبر” عن الأخلاق الاقتصادية الإيمانية والأخلاق الاقتصادية البروتستانتية. فالإنسان يعمل لأن الله أمره بالعمل واختاره ليعمل ولينتج. وبالتالي فإن تحقيقه لأي ربح هو ابتغاء لمرضاة الله. وأن تحقيقه للوفرة لا يعنى أن يسلك سلوكاً مبذرا ً أو ينطوي على تفريط أخلاقي. وهو ما يفسر ثورة النبي عيسى عليه السلام على الأعمال الربوية في القدس.
ونفس التعاليم نص عليها الإسلام. فالله خلق الانسان ليعمر الأرض، فازدهرت الحضارة العربية والإسلامية في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي نتيجة للبعد عن سلوكيات الاحتكار والتبذير، واتباع منهج التدبير والرقابة على الأسواق.
ويبدو أن الانسان سيُقدم مجدداً على التفكير في إعادة اللٌحمة والارتباط بين الاقتصاد والأخلاق من خلال كبح الرغبات التي لا تستند إلى احتياج حقيقي، والتفكير في مصالح الآخرين وحسم العلاقة المختلة بين الندرة والوفرة من أجل ازدهار البشرية.