منوعات

أردوغان.. رئيس تركيا الذي يخوض حربا بلا هوادة من أجل البقاء

مع تعرض بقائه في السلطة للخطر، لم يدع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بابا إلا وطرقه في حملته الانتخابية، إذ يخوض حربا لاجتياز أصعب اختبار سياسي له حتى الآن وحماية إرثه من معارضة جريئة.

وبدأ الناخبون في تركيا التوجه إلى صناديق الاقتراع، صباح اليوم الأحد، للإدلاء بأصواتهم في انتخابات برلمانية ورئاسية محورية يتوقع أن تشهد منافسة شديدة، وقد تكون أكبر تحد يواجه الرئيس أردوغان خلال عقدين من حكمه. والمنافس الرئيسي لأردوغان هو كمال كليتشدار أوغلو، زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، الذي يحظى بدعم تحالف أحزاب معارضة.

وواجه أردوغان، وهو نجل قبطان بحري، رياحا سياسية معاكسة شديدة قبل انتخابات اليوم الأحد، فبينما كان يعاني بالفعل من تحميله مسؤولية أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد جاء الزلزال المدمر في فبراير ليترك حكومته متهمة ببطء الاستجابة والتراخي في تطبيق لوائح بناء كان من المحتمل أن تنقذ أرواحا.

وفي الوقت الذي تُظهر فيه استطلاعات الرأي أن المنافسة قوية، قارن المنتقدون الظروف الحالية بتلك التي جاءت بحزبه “حزب العدالة والتنمية” ذي الجذور الإسلامية إلى السلطة عام 2002 في انتخابات خيَم عليها أيضا تضخم مرتفع واضطراب اقتصادي.

وتعهد خصوم أردوغان بإلغاء كثير من التغييرات التي أدخلها الرئيس الحالي على تركيا والتي سعى إليها في إطار رؤيته لمجتمع متدين ومحافظ له كلمة على المستوى الإقليمي.

لكن هذه المخاطر الكبيرة ليست جديدة على أردوغان الذي قضى قبل ذلك عقوبة في السجن -لأنه ألقى قصيدة شعر ديني- ونجا من محاولة انقلاب عسكري في عام 2016 عندما هاجم جنود مارقون البرلمان وقتلوا 250 شخصا.

ومع وجود كثير من الأمور على المحك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يستهدف السياسي المخضرم، الذي فاز في أكثر من عشر انتخابات، منتقديه بحرب نموذجية.

فأردوغان يتهم المعارضة بالسعي للاستفادة من كارثة، وقام بعدة زيارات لمنطقة الزلزال حيث لقي أكثر من 50 ألف شخص حتفهم، وتعهد بإعادة الإعمار سريعا ومعاقبة من خالفوا لوائح البناء.

وملأ أردوغان الفترة السابقة للانتخابات باحتفالات بإنجازات صناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية، والتي تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع.

تركيا تنتخب رئيسها.. و600 عضو في البرلمان

كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل، وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا في حفل شارك فيه عبر الانترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ومنحت وسائل الإعلام الرئيسية تغطية واسعة لأردوغان، بينما لم يول الإعلام الحكومي اهتماما يُذكر بمنافسه الرئيسي في الانتخابات كمال كليتشدار أوغلو، مما أثار اتهامات من المعارضة بعدم إتاحة الفرص المتكافئة.

وشملت حربه على تحالف المعارضة الرئيسي اتهامات بأن التحالف يتلقى دعما من حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ الثمانينيات أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألفا.

ورد كليتشدار أوغلو، الذي حصل على تأييد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، بالدفاع عن حقوق الأكراد واتهم أردوغان “بمعاملة ملايين الأكراد كإرهابيين”.

وفي إطار مساعيه لاستعادة شعبيته بين الناخبين المحافظين، أدلى أردوغان أيضا بتعليقات مناهضة للمثلية الجنسية، ووصف حقوق مجتمع الميم بأنها مفهوم “منحرف” سوف يحاربه.

سياسات اقتصادية غير تقليدية

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الانتخابات يمكن أن تحتاج لجولة إعادة ويظهر بعضها أن أردوغان ليس متقدما. ويشير هذا إلى عمق أزمة تكلفة المعيشة التي أثارتها سياساته الاقتصادية غير التقليدية.

وأطلقت السلطات حملة من خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع بهدف تعزيز النمو الاقتصادي، لكنها أدت إلى انهيار العملة في أواخر عام 2021 وتفاقم التضخم.

وعلى الرغم من وجود دلائل تشير إلى أن حزبه يمكن أن يعود إلى سياسات تقليدية بشكل أكبر، أكد أردوغان الشهر الماضي أن أسعار الفائدة المنخفضة سوف تستمر ما دام بقي في السلطة وأن التضخم سينخفض مع ذلك.

وكان الاقتصاد أحد الركائز الأساسية لأردوغان خلال العقد الأول له في السلطة، عندما كانت تركيا تتمتع بالازدهار المستمر مع مد طرق جديدة وبناء مستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ تعدادهم 85 مليون نسمة.


جذور متواضعة

نشأ الرئيس التركي من جذور متواضعة في حي فقير بإسطنبول حيث التحق بمدرسة مهنية إسلامية، ودخل السياسة كزعيم للشباب في حزب محلي. وبعد أن شغل منصب رئيس بلدية إسطنبول، صعد إلى المستوى الوطني كرئيس لحزب العدالة والتنمية، وصار رئيسا للوزراء في عام 2003.

وتمكن حزب العدالة والتنمية بزعامته من ترويض الجيش التركي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960، وفي عام 2005 بدأ محادثات لتحقيق طموح استمر عقودا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة تعطلت لاحقا بشكل كبير.

لكن مساعي أردوغان لفرض سيطرة أكبر بدول الجوار سببت حالة استقطاب في البلاد وأثارت قلق الشركاء الدوليين. ورأى المعارضون أن ذلك هو إمعان في الاستبداد من جانب زعيم أدمن السلطة.

فعلى الصعيد الخارجي تدخلت في سوريا والعراق وليبيا وغالبا ما تنشر طائرات مسيرة عسكرية تركية الصنع بقوة حاسمة.

كما ساعدت الطائرات المسيرة أوكرانيا على الدفاع في مواجهة العملية الروسية في أوكرانيا.

لكن التدخلات لم تجذب سوى قليل من الحلفاء، ووسط الاقتصاد المتعثر مع بدء العد التنازلي للانتخابات، سعى أردوغان إلى التقارب مع منافسين في المنطقة.


أبرز المحطات في حياة أردوغان السياسة

وفيما يلي بعض أبرز المحطات في مسيرة السياسي الذي أحدث تغييرا كبيرا في تركيا:

– مارس 1994: انتخاب أردوغان رئيسا لبلدية اسطنبول تحت لواء حزب الرفاه بقيادة السياسي الإسلامي نجم الدين أربكان.

– أبريل 1998: استقالة أردوغان من منصب رئيس البلدية بعد أن قضت محكمة بسجنه بتهمة التحريض على التمييز الديني بسبب قصيدة تلاها في عام 1997 تشبّه المساجد بالثكنات والمآذن بالحراب والمؤمنين بالجيش. وسُجن في الفترة من مارس 1999 إلى يوليو 1999.

– أغسطس 2001: أسس أردوغان حزب العدالة والتنمية واُنتخب رئيسا له.

– نوفمبر 2002: فاز “حزب العدالة والتنمية” في الانتخابات بما يقرب من 35 بالمئة من الأصوات في أعقاب أسوأ ركود
اقتصادي تشهده البلاد منذ السبعينيات. وتعهد الحزب بالنأي بنفسه عن سوء الإدارة والركود اللذين اتسمت بهما الحقبة السابقة. ومُنع أردوغان قانونا من شغل منصب رئيس الوزراء أو دخول البرلمان بسبب الحكم بسجنه، لكن هذا القرار ألغي في ديسمبر.

– مايو 2003: أصبح أردوغان رئيسا للوزراء، ليبدأ عقدا من الازدهار الاقتصادي وارتفاع مستويات المعيشة نتيجة طفرة في البنية التحتية والاستثمار الأجنبي. وفي أيامه الأولى، زار أردوغان أوروبا والولايات المتحدة للترويج لسياساته ودفع محاولة تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

– أكتوبر 2007: وافق الأتراك في استفتاء على تعديلات دستورية تقضي بإجراء انتخابات عامة لاختيار الرئيس الذي كان منصبه حتى ذلك الوقت شرفيا إلى حد كبير.

– فبراير 2008: أقر البرلمان تعديلا صاغه حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية برفع الحظر المفروض على ارتداء الحجاب في الحرم الجامعي. وفي الشهر التالي، نظرت المحكمة الدستورية في قضية تتعلق بفصل الدين عن الدولة، وأصدرت حكما بأغلبية قليلة برفض حل “حزب العدالة والتنمية” ومنع أردوغان وعشرات من أعضاء الحزب الآخرين من ممارسة السياسة لمدة خمس سنوات.

– سبتمبر 2010: وافق الأتراك في استفتاء آخر على تعديلات قضائية واقتصادية دافع عنها أردوغان، والتي كانت تهدف إلى أن يتماشى الدستور مع معايير الاتحاد الأوروبي حتى مع تعثر محاولة تركيا للانضمام إلى التكتل بسبب قضايا من بينها جزيرة قبرص المقسمة التي غزتها تركيا في عام 1974.

– مايو 2013: تحولت الاعتراضات على خطط أردوغان لتطوير حديقة جيزي في إسطنبول إلى مظاهرات غير مسبوقة على مستوى البلاد للاحتجاج على ما وصفها معارضون بسلطوية أردوغان. ووصف أردوغان المحتجين بالخارجين عن القانون والمخربين.

– ديسمبر 2013: واجه أردوغان تحقيقا موسعا في قضية فساد تورط فيها مسؤولون كبار وأعضاء في مجلس الوزراء ورئيس بنك مملوك للدولة. ووصف أردوغان التحقيق بأنه “انقلاب قضائي” نظمه فتح الله كولن، وهو رجل دين مقيم في الولايات المتحدة كان حليفا سابقا لأردوغان قبل أن يؤدي صراع على السلطة إلى الخلاف بينهما.

– أغسطس 2014: منعت لوائح “حزب العدالة والتنمية” أردوغان من الترشح لولاية رابعة على التوالي رئيسا للوزراء، وفاز في أغسطس بأول انتخابات رئاسية عامة تشهدها تركيا وبدأ في الدعوة إلى صياغة دستور جديد لتعزيز سلطات رئيس الدولة.

– يونيو 2015: عجز “حزب العدالة والتنمية” لأول مرة عن تحقيق الأغلبية البرلمانية في الانتخابات. لكن بعد فشل الأحزاب
الأخرى في تشكيل ائتلاف حكومي، استعاد الحزب الأغلبية في انتخابات مبكرة في نوفمبر.

– يوليو 2016: قاد جنود دبابات ومروحيات وهاجموا مباني الدولة والبرلمان في محاولة انقلاب فاشلة قتل فيها أكثر من
250 شخصا. نجا أردوغان من محاولة الانقلاب وقال إن شبكة كولن هي التي دبرتها. وأدت المحاولة إلى فرض حالة الطوارئ وحملة اعتقالات واسعة النطاق.

– أغسطس 2016: أردوغان يسمح بشن هجوم عسكري كبير على سوريا في أول توغل تركي كبير في بلد آخر منذ عقود. وكان هذا الهجوم بمثابة أول عملية من ضمن أربع عمليات نُفذت بعد ذلك عبر الحدود.

– أبريل 2017: وافق الأتراك في استفتاء على إقرار نظام رئاسي تنفيذي يمنح سلطات واسعة لرئيس الجمهورية. وقاد أردوغان حملة قوية من أجل التعديلات التي قال إن من شأنها أن تخفف مما وصفها بأنها عوائق في الأنظمة الديمقراطيات البرلمانية.

– يونيو 2018: فاز أردوغان بانتخابات رئاسية مبكرة. وفاز “حزب العدالة والتنمية” وحلفاؤه القوميون من “حزب الحركة القومية” بأغلبية برلمانية.

– أغسطس 2018: بدأت سلسلة من الأزمات الاقتصادية والانخفاضات الحادة في قيمة الليرة في أعقاب أزمة عملة أطلقها
التوتر المتصاعد مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، فضلا عن مخاوف إزاء أفكار أردوغان الاقتصادية غير التقليدية وتأثيرها على السياسة النقدية.

– مارس 2019: أسفرت الانتخابات البلدية على صعيد البلاد عن أول هزيمة انتخابية لأردوغان منذ ما يقرب من عقدين. وهزم مرشحون من تحالف المعارضة، الذي يضم “حزب الشعب الجمهوري” و”الحزب الصالح”، مرشحي “حزب العدالة والتنمية” في سباق رئاسة البلدية في مدن من بينها أنقرة وإسطنبول.

– نوفمبر 2019: وسط حالة من الاضطراب في ليبيا، وقعت تركيا اتفاقيتين مع الحكومة الليبية التي تتخذ من طرابلس مقرا
لها لتعيين الحدود البحرية والتعاون العسكري.

– فبراير 2020: أوشكت تركيا وروسيا على الدخول في مواجهة بعد مقتل عشرات الجنود الأتراك في غارات جوية في منطقة إدلب السورية.

– ديسمبر 2020: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على تركيا وقطاع الصناعة الدفاعية فيها بسبب شراء أنقرة أنظمة دفاع جوي روسية من طراز إس-400 مما زاد من تدهور العلاقات بين البلدين.

– 2021: بدأت تركيا في إصلاح علاقاتها المتوترة مع دول جوار ودول في المنطقة بما في ذلك مع أرمينيا وإسرائيل ومصر والإمارات والسعودية.

– ديسمبر 2021: عاني الاقتصاد من أزمة عملة أكثر احتداما بعد سلسلة غير معتادة من التخفيضات في أسعار الفائدة. ووصلت الليرة إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، وارتفع التضخم إلى أعلى مستوياته خلال فترة حكم أردوغان، وتراجع التأييد الشعبي له.

– فبراير 2023: تعرضت تركيا لأخطر زلزال في تاريخها الحديث أسفر عن مقتل أكثر من 50 ألفا في جنوب شرق البلاد. وشكا الناس في المناطق المنكوبة من بطء استجابة السلطات، خاصة في الأيام الأولى، مما أثار انتقادات للحكومة. وأقر أردوغان بأن الاستجابة كان من الممكن أن تكون أسرع وطلب “عفو الناس عن أوجه الخلل التي حدثت في الأيام الأولى للزلزال”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button