:
يشهد قطاع أشباه الموصلات تحولاً عالمياً، وتبرز مدينة فينيكس بولاية أريزونا كوجهة رئيسية في هذا التغيير. حيث تقوم شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) بإنشاء مصنع ضخم في المدينة، إلا أن هذا المشروع يلقي الضوء على التحديات الكبيرة التي تواجه المشاريع الصناعية واسعة النطاق في الولايات المتحدة. تسعى الحكومة الأمريكية لاستعادة مكانة رائدة في صناعة أشباه الموصلات، لكن الطريق مليء بالعقبات.
تستثمر شركة TSMC أكثر من 40 مليار دولار في مصنعها الجديد في فينيكس، والذي من المتوقع أن يبدأ الإنتاج بكميات كبيرة في عام 2024. هذا المصنع هو جزء من جهود أكبر مدعومة من الحكومة الأمريكية لتعزيز الإنتاج المحلي للرقائق الإلكترونية وتقليل الاعتماد على آسيا، خاصةً تايوان. ومع ذلك، واجه المشروع تأخيرات وتجاوزات في التكاليف، مما أثار تساؤلات حول القدرة التنافسية للولايات المتحدة في جذب وتنفيذ هذه المشاريع المعقدة.
تحديات إنشاء مركز أشباه الموصلات في فينيكس
إن تحول فينيكس إلى مركز لأشباه الموصلات لم يكن مضموناً. فبالإضافة إلى الاستثمار الضخم من قبل TSMC، يتطلب المشروع تعاوناً كبيراً بين الحكومة الفيدرالية وحكومة ولاية أريزونا والشركات الخاصة. تهدف هذه الجهود إلى خلق سلسلة إمداد أكثر مرونة وقدرة على الصمود في وجه الاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية.
العقبات التنظيمية والتصاريح
واجهت TSMC تأخيرات كبيرة في الحصول على التصاريح اللازمة لبناء مصنعها. تعتبر العمليات التنظيمية في الولايات المتحدة معقدة وطويلة، خاصةً بالنسبة للمشاريع التي تتطلب تقييمات بيئية مكثفة وموافقات من مختلف الوكالات الحكومية. وفقاً لتقارير صحفية، استغرق الحصول على بعض التصاريح وقتاً أطول بكثير من المتوقع، مما أدى إلى تأخير الجدول الزمني للمشروع.
نقص القوى العاملة الماهرة
يشكل العثور على قوى عاملة ماهرة تحدياً كبيراً آخر. يتطلب إنتاج أشباه الموصلات مهندسين وفنيين متخصصين ذوي خبرة عالية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتدريب القوى العاملة المحلية، لا يزال هناك نقص ملحوظ في المهارات اللازمة لتشغيل وصيانة مصانع أشباه الموصلات الحديثة. وقد اضطرت TSMC إلى تقديم حوافز مالية كبيرة لجذب المواهب.
ارتفاع تكاليف البناء والتشغيل
تعتبر تكاليف البناء والتشغيل في الولايات المتحدة أعلى بكثير مقارنة بآسيا. تشمل هذه التكاليف أسعار الأراضي والمواد الخام والعمالة والطاقة. تسعى الحكومة الأمريكية إلى تخفيف هذه التكاليف من خلال تقديم إعانات ضريبية وحوافز مالية للشركات التي تستثمر في إنتاج أشباه الموصلات محلياً، ولكن هذه الإعانات قد لا تكون كافية لتعويض الفارق الكامل. تم الإشارة إلى ارتفاع تكاليف البناء كمساهم رئيسي في تجاوز الميزانية.
دور قانون CHIPS والأثر الأوسع للصناعة
يعتبر قانون CHIPS، الذي تم توقيعه في عام 2022، حجر الزاوية في جهود الولايات المتحدة لإعادة إحياء صناعة أشباه الموصلات. يوفر القانون حوالي 52 مليار دولار من الإعانات والتخفيضات الضريبية لتشجيع الشركات على بناء مصانع للرقائق في الولايات المتحدة. يهدف القانون أيضاً إلى تعزيز البحث والتطوير في مجال أشباه الموصلات.
بالإضافة إلى TSMC، تخطط شركات أخرى مثل Intel و Samsung أيضاً للاستثمار في مصانع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، مدفوعة بالحوافز المقدمة من قانون CHIPS. تهدف هذه الاستثمارات إلى زيادة القدرة الإنتاجية المحلية وتقليل الاعتماد على تايوان، التي تنتج حالياً أكثر من 50٪ من الرقائق الإلكترونية على مستوى العالم. هذا التنوع الجغرافي في الإنتاج يعتبر أمراً حيوياً للأمن القومي والاقتصادي.
ومع ذلك، لا يزال هناك جدل حول فعالية قانون CHIPS في تحقيق أهدافه. يرى البعض أن الإعانات المقدمة للشركات قد تكون مبالغاً فيها، في حين يرى البعض الآخر أنها ضرورية لجعل الولايات المتحدة وجهة تنافسية للاستثمار في مجال أشباه الموصلات. بالإضافة إلى ذلك، يثير القانون مخاوف بشأن التدخل الحكومي في السوق الحرة. وتشمل المجالات الأخرى المتأثرة بـ الإلكترونية، والأجهزة، والسيارات.
في المقابل، تواجه تايوان تحدياتها الخاصة في الحفاظ على ريادتها في صناعة أشباه الموصلات. تتضمن هذه التحديات نقص المياه وارتفاع تكاليف الطاقة والتوترات الجيوسياسية مع الصين. تسعى تايوان إلى تنويع مصادر الطاقة لديها والاستثمار في تقنيات جديدة لتقليل استهلاك المياه، لكن هذه الجهود قد لا تكون كافية لمواجهة التحديات المستقبلية.
إن نجاح مشروع TSMC في فينيكس، والمشاريع المماثلة الأخرى، سيعتمد على قدرة الولايات المتحدة على معالجة هذه التحديات بفعالية. يتطلب ذلك تبسيط العمليات التنظيمية، والاستثمار في تدريب القوى العاملة، وتقديم حوافز مالية جذابة، وضمان استقرار سلسلة الإمداد.
الخطوة التالية المتوقعة هي استكمال عمليات البناء والتركيب في مصنع TSMC، والبدء في الإنتاج التجريبي في النصف الثاني من عام 2024. سيكون من المهم مراقبة التقدم المحرز في المشروع، وأي تأخيرات أو تجاوزات في التكاليف قد تحدث. كما سيكون من المهم تقييم تأثير قانون CHIPS على جذب الاستثمار في مجال أشباه الموصلات، وتحديد ما إذا كانت الإعانات المقدمة تحقق النتائج المرجوة. لا تزال هناك شكوك حول ما إذا كان من الممكن للولايات المتحدة أن تصل إلى نفس مستوى الكفاءة والفعالية من حيث التكلفة مع آسيا.
