يتصاعد التوتر بين إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي)، حيث يهدد الرئيس استقلالية البنك، وهي الاستقلالية التي استعادها البنك مع اتفاقية الخزانة والاحتياطي الفيدرالي عام 1951. وتأتي هذه التهديدات في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي تباطؤًا، وتتزايد المخاوف بشأن تأثير السياسات التجارية للولايات المتحدة. هذا الخلاف حول استقلالية البنك المركزي يثير قلقًا واسعًا بشأن مستقبل السياسة النقدية الأمريكية.
الخلاف الحالي بدأ يتصاعد بعد أن رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة عدة مرات في عامي 2018 و 2019، وهو ما اعتبره ترامب معيقًا للنمو الاقتصادي. وتشمل الانتقادات الأخيرة دعوات للرئيس ترامب إلى تخفيض أسعار الفائدة بشكل كبير، بالإضافة إلى انتقاده لسياسات البنك بشأن التضخم والوظائف. وتتركز هذه الأحداث في الولايات المتحدة، لكنها تحمل تداعيات عالمية نظرًا لأهمية الاقتصاد الأمريكي.
أهمية استقلالية البنك المركزي وتاريخها
تعتبر استقلالية البنك المركزي حجر الزاوية في السياسة النقدية الحديثة. فهي تضمن أن القرارات المتعلقة بالأسعار والفائدة تتخذ بناءً على اعتبارات اقتصادية بحتة، وليس بناءً على ضغوط سياسية قصيرة الأجل. وهذا يساعد على الحفاظ على استقرار الأسعار وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
اتفاقية الخزانة والاحتياطي الفيدرالي عام 1951
في الخمسينيات من القرن الماضي، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي يخضع لسيطرة كبيرة من وزارة الخزانة الأمريكية. أدى ذلك إلى تدخل سياسي في السياسة النقدية، مما أضر باستقرار الاقتصاد. في عام 1951، تم التوصل إلى اتفاقية بين الخزانة والاحتياطي الفيدرالي، منحت البنك المركزي استقلالية أكبر في اتخاذ القرارات. كان الهدف من هذه الاتفاقية هو فصل السياسة النقدية عن السياسة المالية، وضمان أن يتخذ البنك المركزي قراراته بناءً على أفضل المصالح الاقتصادية طويلة الأجل.
لماذا الاستقلالية مهمة؟
الاستقلالية تحمي البنك المركزي من الضغوط السياسية التي قد تدفعه إلى اتخاذ قرارات غير رشيدة، مثل خفض أسعار الفائدة قبل الأوان لتحفيز الاقتصاد قبل الانتخابات. كما أنها تعزز مصداقية البنك المركزي، مما يساعد على توقعات التضخم المستقرة. السياسة النقدية الفعالة تتطلب القدرة على اتخاذ قرارات صعبة وغير شعبية في بعض الأحيان، وهو ما يكون أسهل عندما يكون البنك المركزي مستقلاً.
تهديدات ترامب للاستقلالية
لم تكن انتقادات ترامب للاحتياطي الفيدرالي مقتصرة على السياسة النقدية. كما أنه أثار تساؤلات حول سلطة البنك المركزي، واقترح أنه قد يكون من الضروري إقالة رئيس البنك، جيروم باول. هذه التصريحات أثارت قلقًا واسعًا بين الاقتصاديين وصناع السياسات، الذين يرون أنها تمثل تهديدًا خطيرًا لاستقلالية البنك المركزي.
بالإضافة إلى ذلك، قام ترامب بتعيين أعضاء جدد في مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، والذين يُنظر إليهم على أنهم أكثر توافقًا مع رؤيته الاقتصادية. وهذا قد يؤدي إلى تغيير في السياسة النقدية في المستقبل. التضخم هو أحد المجالات التي يختلف فيها ترامب والاحتياطي الفيدرالي، حيث يرى ترامب أن البنك يركز بشكل كبير على مكافحة التضخم، بينما يرى البنك أن التضخم لا يزال تحت السيطرة.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن سلطة ترامب محدودة في التأثير على الاحتياطي الفيدرالي. فالبنك المركزي يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية بموجب القانون، ولا يمكن للرئيس أن يتدخل بشكل مباشر في قراراته. لكن تصريحات ترامب قد تؤثر على ثقة الأسواق في البنك المركزي، مما قد يؤدي إلى تقلبات في الأسعار.
التداعيات المحتملة
إذا تم تقويض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، فقد يكون لذلك عواقب وخيمة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي. قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم، وتقلبات في الأسواق المالية، وفقدان الثقة في الاقتصاد الأمريكي. الأسواق المالية تراقب عن كثب التطورات، وتتفاعل مع كل تصريح أو إجراء من قبل ترامب أو الاحتياطي الفيدرالي.
في المقابل، قد يؤدي الحفاظ على استقلالية البنك المركزي إلى استمرار النمو الاقتصادي المستقر، والحفاظ على استقرار الأسعار، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الأمريكي. وهذا سيساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق فرص عمل جديدة، وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
السياسة الاقتصادية الأمريكية لها تأثير كبير على الاقتصاد العالمي، وتقويض استقلالية البنك المركزي قد يؤدي إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق العالمية. وهذا قد يؤثر على التجارة والاستثمار والنمو الاقتصادي في جميع أنحاء العالم.
من المتوقع أن يستمر الجدل بين إدارة ترامب والاحتياطي الفيدرالي في الأشهر المقبلة. من المقرر أن يعقد مجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي اجتماعًا في نهاية شهر يناير لمناقشة السياسة النقدية. سيكون هذا الاجتماع مهمًا لمراقبة رد فعل البنك على الضغوط السياسية، وتقييم مدى التزامه بالحفاظ على استقلاليته. يبقى من غير الواضح كيف ستتطور هذه القضية، وما إذا كان سيتم التوصل إلى حل وسط بين الطرفين.
