عندما قرر ريتش روس، الرئيس السابق لأستوديوهات ديزني، وزوجه شراء منزل في ميلانو، استغرب أصدقاؤهم في لوس أنجلوس من هذا القرار. تساءلوا: “لماذا ليست روما؟ أو باريس؟ أو لندن؟” لكن روس، البالغ من العمر 63 عامًا، أجاب ببساطة: “ميلانو مدينة نابضة بالحياة”. وهو يستمتع بمطاعمها، ومشهدها الفني المتطور، وسهولة التنقل فيها.

أصبحت ميلانو وجهة مفضلة للميسورين حول العالم، وخاصة من لندن، بعد أن كانت توصف سابقًا بأنها مدينة كئيبة وعملية فقط. أما اليوم، فقد تحولت إلى مدينة عالمية تجمع بين أناقة باريس، ونظام لندن، وحيوية نيويورك، لكن دون الفوضى.

ووفقا لصحيفة “وول ستريت جورنال”، استقطبت إيطاليا سكانًا جددًا من أصحاب الثروات الكبيرة والعمال المهرة من جميع أنحاء العالم، وخاصة لندن، بفضل الإعفاءات الضريبية الجذابة. وكانت المستفيد الأكبر مدينة ميلانو، حيث تتابعت الأرباح. رعت حكومة المدينة مشاريع التجديد. وافتُتحت مطاعم راقية ونوادي مخصصة للأعضاء ومعارض الفن المعاصر. وتشهد أسعار العقارات الفاخرة ارتفاعًا مطردًا تبعًا لذلك.

السبب في هذا التوجه الجديد نحو إيطاليا، وخاصة ميلانو، هو الإعفاءات الضريبية السخية التي تقدمها الدولة منذ عام 2017 لجذب الأثرياء. إذ يمكن للمقيمين الجدد دفع ضريبة سنوية ثابتة على الدخل الأجنبي قدرها 100 ألف إلى 200 ألف يورو فقط، وهو أقل بكثير مما يدفعونه في دول أخرى مثل بريطانيا أو فرنسا. ويُطلق على هذا الإعفاء اسم “قانون CR7″، نسبة إلى اللاعب كريستيانو رونالدو الذي استفاد منه أثناء لعبه في نادي يوفنتوس الإيطالي.

ومع أن الأمريكيين لا يستفيدون كثيرًا من هذه القوانين بسبب نظام الضرائب الأمريكي، فإن عددًا كبيرًا من البريطانيين انتقلوا إلى ميلانو بعد أن ألغت المملكة المتحدة نظام “غير المقيمين” الذي كان يمنح الأجانب إعفاءات ضريبية على الدخل الأجنبي.

على سبيل المثال، قال دومينيك لورانس، محامٍ في لندن، إن أكثر من ربع عملائه المتضررين من إلغاء الإعفاء غادروا بريطانيا بسبب القوانين الجديدة، وإن كثيرًا منهم يدرسون الانتقال إلى إيطاليا.

ولا تقتصر التغييرات في ميلانو على الضرائب فقط. فمنذ استضافة معرض إكسبو عام 2015، واستعدادًا لأولمبياد الشتاء القادم، خضعت المدينة لعملية تحديث ضخمة. شيدت أبراج ومجمعات فاخرة، وتحسنت البنية التحتية، من خطوط المترو إلى الحدائق ومسارات الدراجات.

بول جيومين، رائد أعمال فرنسي في مجال التكنولوجيا، انتقل إلى ميلانو في 2022 مع أسرته. يستأجر شقة ضعف حجم منزله السابق في باريس، لكنها ليست أغلى بكثير. يقول: “أحببت باريس في العشرينات من عمري، لكن الآن أرتاح في ميلانو. أعيش بهدوء، وأقضي عطلة نهاية الأسبوع في البحيرات”.

كما توجد إعفاءات ضريبية أخرى مثل قانون “عودة العقول”، الذي يمنح للمقيمين الجدد أو العائدين إلى إيطاليا ممن يستوفون معايير معينة بدفع ضريبة دخل على 50% فقط من دخلهم لخمس سنوات.

لورينزو فرانزي، مستثمر بلجيكي-إيطالي، غادر لندن إلى ميلانو في 2023. يقول: إنه يكسب أكثر بفضل الإعفاءات الضريبية، وتكاليف الحياة الأقل، خصوصًا مع الأطفال والمدارس الخاصة.

لكن هذا الازدهار له سلبيات. لوتشيا توتسي، خبيرة سياسات حضرية، تقول إن حي “إيزولا”، الذي كان شعبيًا وفنيًا، أصبح اليوم فاخرًا وباهظًا. كثير من السكان الأصليين لم يعودوا قادرين على تحمل الإيجارات، رغم وجود مشاريع سكنية جديدة مثل القرية الأولمبية التي ستتحول إلى سكن مدعوم للطلاب بعد الألعاب.

وعلى الرغم من كثرة المشاريع العقارية، لا تزال ميلانو تكافح لاستيعاب سكانها الجدد الأثرياء. فالمدينة صغيرة المساحة، ولا تتوفر فيها عقارات فاخرة كافية لتلبية الطلب المتزايد، وقد ارتفعت الأسعار بشكل كبير.

ففي حي كوادريلاتيرو ديلا مودا، أرقى أحياء ميلانو، بيعت العقارات السكنية بما يصل إلى 39 ألف يورو للمتر المربع العام الماضي، بزيادة تزيد على 50% عن أعلى الأسعار في 2021، وفقًا لشركة العقارات الفاخرة تيريلي وشركاه. وهذا يُضاهي أسعار العقارات في حي ويست فيليدج، أغلى أحياء نيويورك.

وقال ماركو تيريلي، رئيس شركة العقارات التي تحمل الاسم نفسه: “ارتفعت الأسعار بشكل خارق لأنه ببساطة لا يوجد معروض كاف”.

شاركها.