تواجه شركات الملكية الخاصة صعوبات متزايدة في بيع الشركات التي تمتلكها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. ونتيجة لذلك، لجأت هذه الشركات إلى آلية بديلة لإعادة الأموال إلى عملائها: وهي بيع الشركات لأنفسهم. هذه الظاهرة، المعروفة باسم “عمليات إعادة الشراء من قبل الرعاة الماليين” (sponsor-backed recapitalizations)، أصبحت أكثر شيوعًا في الأشهر الأخيرة.
تزايد عمليات بيع الشركات للمستثمرين الماليين (عمليات إعادة الشراء من قبل الرعاة الماليين)
شهدت عمليات بيع الشركات تباطؤًا ملحوظًا على مستوى العالم، خاصةً في الربعين الأخيرين من عام 2023 واستمرارًا حتى بداية عام 2024. يعزى هذا التباطؤ إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وعدم اليقين الجيوسياسي، وتقلبات الأسواق المالية. هذه العوامل مجتمعة جعلت من الصعب على شركات الملكية الخاصة العثور على مشترين خارجيين مستعدين لدفع أسعار مقبولة للشركات التي يمتلكونها.
بدلاً من التخلي عن الاستثمار بالكامل، تقوم شركات الملكية الخاصة بإعادة تمويل الشركات التي تملكها، وغالبًا ما يكون ذلك من خلال قروض أو إصدار سندات. ثم تستخدم هذه الأموال لتوزيع الأرباح على مستثمريها، مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين والأفراد ذوي الملاءة المالية العالية. هذه العملية تسمح لهم بتلبية التزاماتهم تجاه المستثمرين دون الحاجة إلى بيع الشركة بسعر أقل من القيمة التي يرغبون بها.
كيف تتم عمليات إعادة الشراء من قبل الرعاة الماليين؟
عادةً ما تتضمن هذه العمليات الخطوات التالية: تقوم شركة الملكية الخاصة بإعادة هيكلة رأس مال الشركة التي تملكها. يشمل ذلك الحصول على تمويل جديد، غالبًا من خلال الديون، لسداد جزء من حقوق الملكية للمستثمرين. بعد ذلك، يتم توزيع هذه الأموال على المستثمرين كأرباح أو توزيعات.
تعتبر هذه العمليات أقل ربحية من البيع الكامل للشركة، ولكنها توفر حلاً عمليًا في بيئة سوقية صعبة. كما أنها تسمح لشركات الملكية الخاصة بالاحتفاظ بالسيطرة على الشركات التي تعتقد أنها لا تزال لديها إمكانات نمو قوية.
وفقًا لبيانات من Refinitiv، ارتفعت قيمة عمليات إعادة الشراء من قبل الرعاة الماليين بنسبة كبيرة في عام 2023 مقارنة بالعام السابق. وتشير التقديرات إلى أن هذه العمليات بلغت عشرات المليارات من الدولارات على مستوى العالم.
الأسباب الكامنة وراء هذا التحول في الاستراتيجيات
السبب الرئيسي وراء هذا التحول هو صعوبة الحصول على تقييمات مناسبة للشركات في ظل الظروف الحالية. المشترون المحتملون أصبحوا أكثر حذرًا ويطلبون خصومات كبيرة على الأسعار، وهو ما لا ترغب شركات الملكية الخاصة في قبوله.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار الفائدة يجعل الحصول على تمويل لعمليات الاستحواذ أكثر تكلفة. وهذا يقلل من عدد المشترين المحتملين ويضعف قدرتهم على تقديم عروض تنافسية.
من ناحية أخرى، قد يكون لدى شركات الملكية الخاصة ثقة أكبر في أداء الشركات التي تملكها على المدى الطويل. لذلك، قد تفضل الاحتفاظ بالسيطرة عليها والاستمرار في الاستثمار فيها بدلاً من بيعها بسعر منخفض.
تأثير ذلك على صناديق الاستثمار والمستثمرين
قد تؤثر هذه العمليات على عوائد المستثمرين في صناديق الملكية الخاصة. في حين أن عمليات إعادة الشراء توفر سيولة فورية، إلا أنها قد تكون أقل ربحية من البيع الكامل للشركة.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذه العمليات يمكن أن تكون مفيدة للمستثمرين على المدى الطويل. وذلك لأنها تسمح لشركات الملكية الخاصة بالاحتفاظ بالشركات الواعدة والاستمرار في تنميتها.
تعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة حل مؤقت، وتهدف إلى تلبية طلبات المستثمرين للحصول على سيولة في ظل ظروف السوق الصعبة.
الآثار المترتبة على الشركات المستهدفة
بالنسبة للشركات التي يتم “بيعها” لنفسها، قد يكون التأثير مختلطًا. من ناحية، قد تستفيد من استمرار الاستثمار والدعم من شركة الملكية الخاصة. من ناحية أخرى، قد تواجه ضغوطًا متزايدة لتحسين الأداء وسداد الديون الجديدة.
في بعض الحالات، قد تؤدي عمليات إعادة الشراء إلى زيادة المخاطر المالية للشركات. وذلك لأنها غالبًا ما تتضمن زيادة مستويات الديون.
بشكل عام، يعتمد تأثير عمليات إعادة الشراء على الوضع المالي والتشغيلي المحدد للشركة المعنية.
نظرة مستقبلية
من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المدى القصير، طالما أن أسعار الفائدة تظل مرتفعة وأن عدم اليقين الاقتصادي قائمًا. ومع ذلك، إذا تحسنت الظروف الاقتصادية وانخفضت أسعار الفائدة، فقد تعود شركات الملكية الخاصة إلى بيع الشركات للمشترين الخارجيين.
سيراقب المستثمرون عن كثب تطورات أسعار الفائدة والنمو الاقتصادي العالمي لتقييم تأثيرها على استراتيجيات شركات الملكية الخاصة وعوائد الاستثمار. كما سيتابعون عن كثب أداء الشركات التي خضعت لعمليات إعادة شراء من قبل الرعاة الماليين لتقييم فعالية هذه الاستراتيجية.
من المهم ملاحظة أن هذه الظاهرة ليست جديدة تمامًا، ولكنها أصبحت أكثر انتشارًا في الفترة الأخيرة بسبب الظروف الاستثنائية التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
