اخر الاخبار

ماجد البقمي .. إمبراطورية تجارية بدأت بورشة سيارات خاسرة

ضبط مؤشر الراديو على إذاعة القرآن الكريم في ورشته الصغيرة الواقعة في منطقة “كيلو 8” جنوب طريق مكة القديم، حيث الورش والمستودعات المتراصة وحركة السيارات والمارة التي لا تهدأ، وفي وقت لاحق من الصباح الباكر يبدأ الزبائن بالدخول إلى الورشة مستفسرين عن رديترات السيارات وأنواع السوائل لكونها الجزء الأهم في منظومة التبريد للمحركات، وقتها يقف ماجد بسرعة ومرونة ليجيب عن الأسئلة أو يبادر بإصلاح الرديتر الذي تحول فيما بعد إلى 10 فروع في الرياض وبريدة ووادي الدواسر وجازان وخميس مشيط ضمن مجموعة اقتصادية ضخمة.

نشأ ماجد البقمي في أسرة عريقة صنعت أمجادها بالعمل الشاق، إذ عاش طفولة ميسورة وفرها له والده الذي كان يملك معرض سيارات في جدة، رغم ذلك، كان تعلّق الطفل الأول بعمه، اللواء منسي بن زيد السمي البقمي، صاحب البطولات الخالدة في الجيش السعودي، وأحد أفراد جيش الملك عبدالعزيز الأوائل ومن مؤسسي الحرس الوطني وصاحب الدور الأكبر في معركة منفذ الوديعة عام 1970 على الحدود اليمنية، مرورا بحرب فلسطين ومعركة ينبع والطائف التي شهدت تقاعده حيث قضى اللواء الراحل وقته في المزرعة، والتي شهدت أيضا قصة الطفل ماجد وسنينه الأولى، وارثا ومكتسبا من عمه الشجاعة والفروسية والصيد، الأمر الذي أسهم في تشكيل شخصية البقمي الصغير الذي تجاوزت ثروته لاحقا 100 مليون ريال.

بعد أن أنهى ماجد البقمي المرحلة المتوسطة، التي تزامنت مع انتقال أسرته إلى إسكان الحرس الوطني بجدة حيث حياة أكثر استقرارًا، بدأ في التفكير جديًا في مستقبله، وكانت أولى مفاجآته أنه لا يعوّل كثيرًا على التفوق الدراسي، بل هدفه أن يُصبح تاجرا، رغم ذلك أكمل دراسته للنهاية والتحق بجامعة الملك عبد العزيز لمدة عامين، قبل أن يتركها متفرغّا لحلمه الذي بدأ في تنفيذه، ورغم أنه لم يملك أي أموال حينها، لكنه رفض طلب المساعدة من أبيه، وقرر أن يبحث عن وظيفة يدّخر منها بعض الأموال التي تساعده على بدء حياته التجارية.

متسلحّا بروح وصبر أبناء الجزيرة العربية، التحق ماجد بوظيفة مدنية بوزارة الداخلية بجدة، واستمر فيها 6 سنوات استطاع خلالها إدخّار مبلغ 40 ألف ريال، وبالشراكة مع ابن خاله الذي ساهم بمبلغ مماثل، تمكن من افتتاح ورشة لتصليح ردياتيرات السيارات في كيلو 8 بجدة، لكن البداية لم تكن موفقة، وتعرضت الورشة لخسائر، ما دفع شريكه إلى الالتحاق بوظيفة في الدمام، وطلب التخارج ببيع المشروع الخاسر، ولم تتجاوز عروض الشراء حينها 40 ألف ريال، أي نصف ثمن الورشة التي دفع فيها الرجلان 80 ألف ريال.

بيد أن ماجد البقمي رفض هذه البيعة، وتمسّك بورشته على أن يسدد حصة الشريك لاحقًا، وبالفعل أجرى بعض التغييرات والتطويرات، وفي الشهر الأول ربح 25 ألف ريال تمكّن خلالها من سد جزء من دين الشراكة، وهكذا دارت العجلة التي دفعته للتفكير في تأسيس أول مصنع لإنتاج ريدياترات السيارات، ومن الصين وألمانيا ومصر تم استيراد الآلات اللازمة، باع من أجلها ماجد سيارته حتى يتمكن من تحمّل تكلفة الإنتاج، وبعد أعوام قليلة فقط كانت النتيجة 10 أفرع ما بين الوسطى والغربية والجنوب.

لكي تكون فارسا مغوارا، عليك أن تتقبل السقوط أولًا، ثم تتعلم قفز الحواجز وتكرار ما تجيده آلاف المرات، قاعدة طبّقها ماجد البقمي في الاستثمار، فبعد نجاحه في مجال قطع غيار وصيانة السيارات، اتجه إلى مجالات أخرى مستعدّا للتحديات في البداية وموقنا من النجاح في النهاية، لذلك استمع إلى نصيحة صديقه المهندس فكري وأسس شركة من أجل صيانة المستشفيات، وحين فاز بأول مناقصة تتبع وزارة الدفاع السعودية، وكانت قيمتها 30 مليون ريال، لم يكن يملك سوى 3 ملايين ريال فقط، لكنه مع فريق إداري تمكّن من الاقتراض وإتمام المشروع وسداد المستحقات، بل أصبح الآن مسؤول عن صيانة أكثر من 36 مستشفى.

القفز من فوق الحواجز لم يتوقف، إذ انطلق البقمي ليُكرر ما يجيد فعله، وهدفه كما أوضح هو “خدمة بلده بأقصى ما يستطيع”، فأسس مصانع متخصصة في صناعة المعادن كالحديد والصلب، واستثمر كذلك في قطاع الاتصالات، إلى جانب إدارة وصيانة الفنادق والإعاشات والتموين الغذائي والنقل، وبالطبع لم يكن ذلك ليسفر عن نتيجة إلا في مناخ محلي يحفز المنشآت الصغيرة والمتوسطة على ريادة الأعمال للمواطنين والمقيمين.

مع سطوع نجم ماجد البقمي، رجل أعمال صاحب استثمارات ناجحة، برز اسمه أيضًا في مجالين إضافيين، أولهما العمل الخيري، إذ يرعى عدد من مؤسسات الأيتام والفقراء، إضافة إلى توفير فرص العمل لكثير من الشباب وقد بلغ عدد العاملين في مجموعته 13 ألف موظف يديرهم ابنته الجوهرة، أما المجال الثاني فهو الفروسية التي فُتن بها صغيرًا، وبمجرد القدرة على شراء الخيل أقدم على ذلك، وأطلق على أول حِصان اشتراه اسم “منسي” تكريمًا لعمّه، ثم اعتاد المشاركة في المسابقات، وكلما ربح اقتنى مزيدا من الخيول حتى وصل عدد خيوله 60 رأسا، معظمهم فازوا في بطولات محلية وإقليمية، ما جعل اسمه علامة مميزة في عالم الفروسية.

لا يتعجب أصدقاء وجلساء ماجد البقمي من انقسام مجلسه إلى نصفين، الأول نصائحه في الاستثمار التي تتصدرها مقولته “أصدق مع الناس تشاركهم في أموالهم”، وهو مِنهاج عمله طوال عمره بجانب وصيته بأهمية بر الوالدين لأن ذلك تميمة النجاح، أما النصف الثاني من الجلسة فستكون جولة في بيته الممتلئ بتماثيل الخيول ودروع التكريم التي حصل عليها، وحين تنظر إلى الجدران المحيطة بك ستجدها تزينت بصور الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، يسبقهما صورة الملك عبد العزيز رحمه الله، الذي اشتهر بمقولته لعمّه اللواء منسي قديما “انت اسمك المذكور” في دِلالة على الأثر الباقي المستمر، الذي امتد إلى ماجد الصغير في ورشته الكبير في إمبراطوريته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى