شهد المزاد الأول الذي أقيم في مقرها الجديد في لندن دار سوثبيز إقبالاً كبيراً على لوحة “صورة إليزابيث ليدر” (Portrait of Elisabeth Lederer)، وهي لوحة زيتية رسمها الفنان النمساوي جوستاف كليمت. اللوحة التي نجاها مصير مأساوي من الحريق الذي اندلع في مستودعها سابقاً، وبعد صراع طويل لاستعادتها من آثار الحرب العالمية الثانية، بيعت بسعر قياسي تجاوز 108 مليون جنيه إسترليني. ويُعد بيع هذه اللوحة علامة فارقة في عالم المزادات الفنية.

الحدث الذي جرى يوم 27 يونيو 2024، كان محور اهتمام كبار جامعي التحف والمهتمين بالفن، حيث تم عرض اللوحة ضمن مجموعة مختارة من الأعمال الفنية المميزة. ويعتبر بيعها تتويجًا لجهود استمرت لعقود لاستعادة الأعمال الفنية المسروقة خلال الحقبة النازية وإعادتها لأصحابها الشرعيين أو ورثتهم. وتأتي أهمية هذا البيع في سياق متزايد للاهتمام بأصل الأعمال الفنية وتاريخ ملكيتها.

قصة اللوحة و رحلة استعادتها

تم رسم هذه اللوحة عام 1917، وهي تصور إليزابيث ليدر، وهي سيدة نمساوية من أصل يهودي، كانت أحد أفراد الطبقة العليا في فيينا. ترتبط اللوحة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ عائلة ليدر الثرية والتي كانت من بين ضحايا النظام النازي.

خلال الحرب العالمية الثانية، تم مصادرة اللوحة من عائلة ليدر كجزء من حملة ممنهجة لنهب الممتلكات من اليهود وغيرهم من الجماعات المستهدفة. وفقًا لتقارير، انتقلت اللوحة عبر عدة مجموعات خاصة قبل أن تستقر في مستودع في النمسا، حيث تعرضت لحريق في عام 1945.

النجاة من الحريق و البداية في تحديد الأصل

لحسن الحظ، نجت اللوحة من الحريق على الرغم من تعرضها لأضرار طفيفة. لكن رحلة تحديد أصلها وإعادتها كانت طويلة ومعقدة، واستغرقت عقودًا من البحث والتحقيق. بدأت الجهود الجادة لتحديد أصل اللوحة في التسعينيات، عندما بدأت الجهات المختصة في فحص المجموعات الفنية الخاصة والعامة في جميع أنحاء أوروبا.

عمل خبراء الفن و المؤرخون عن كثب مع المنظمات التي تكرس جهودها لاستعادة الأعمال الفنية المسروقة، مثل لجنة استعادة الأعمال الفنية المسروقة، لتتبع تاريخ ملكية اللوحة وتقييم مطالبتها الشرعية. وقد أسفر هذا العمل عن تأكيد أن اللوحة كانت مملوكة لعائلة ليدر قبل مصادرتها من قبل النازيين.

الأهمية القانونية و الأخلاقية لاستعادة الأعمال الفنية

تعتبر قضية “صورة إليزابيث ليدر” جزءًا من جهد عالمي أوسع لاستعادة الأعمال الفنية التي تمت مصادرتها بشكل غير قانوني خلال الحرب العالمية الثانية. تزداد أهمية هذه المسألة مع ظهور المزيد من المعلومات حول نطاق النهب النازي وتأثيره المدمر على حياة الأفراد والعائلات.

تبرز هذه القضية أيضًا التحديات المعقدة التي تواجه عملية استعادة الممتلكات الثقافية. فإن تحديد أصل اللوحة وإثبات ملكيتها يمكن أن يكون عملية صعبة ومكلفة، وغالبًا ما تتطلب خبرة قانونية وتاريخية متخصصة. يصعب الأمر أيضاً بسبب مرور عقود طويلة و فقدان الوثائق.

وقالت وزارة الثقافة النمساوية إن بيع اللوحة يمثل خطوة مهمة في الاعتراف بالظلم التاريخي الذي تعرضت له عائلة ليدر. وأصدرت الوزارة بيانًا تعرب فيه عن أملها في أن يشجع هذا النجاح على بذل المزيد من الجهود لاستعادة الأعمال الفنية المسروقة وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين.

في المقابل، أثار بيع اللوحة جدلاً حول ما إذا كانت الأعمال الفنية المسروقة يجب أن تُباع في الأصل، أم تُعاد مباشرة إلى ورثة أصحابها دون مرورها بالمزاد العلني. يرى البعض أن البيع بمثابة استمرار للربح من مأساة تاريخية، في حين يرى آخرون أنه يمثل شكلاً من أشكال التعويض لعائلة ليدر.

تأثير البيع على سوق الفن و استثمارات الأعمال الفنية

يعد بيع “صورة إليزابيث ليدر” علامة بارزة في سوق الفن، حيث يسلط الضوء على القيمة العالية للأعمال الفنية التي تحمل تاريخًا مهمًا. وقد أثار هذا البيع اهتمامًا متزايدًا بالأعمال الفنية التي تعود إلى حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية، خاصة تلك التي قد تكون عرضة لخطر المصادرة أو النهب.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يؤدي هذا البيع إلى زيادة الطلب على خدمات تحديد أصل الأعمال الفنية. يبحث المزيد والمزيد من جامعي التحف والمستثمرين عن طرق للتأكد من أن الأعمال الفنية التي يشترونها قانونية وخالية من أي نزاعات ملكية.

ووفقًا لتقارير السوق، فإن الاستثمار في الأعمال الفنية يعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين الاقتصادي. ومع ذلك، فإن من المهم إجراء بحث شامل والتحقق من أصل أي عمل فني قبل شرائه، لضمان تجنب أي مشاكل قانونية أو أخلاقية.

الخطوات القادمة و آفاق استعادة الأعمال الفنية

الآن بعد إتمام بيع اللوحة، من المتوقع أن يتلقى ورثة عائلة ليدر عائدات البيع، والتي يمكن أن تساعدهم على إعادة بناء جزء من الثروة التي فقدوها خلال الحرب العالمية الثانية. لكن القضية لا تنتهي هنا؛ فما زال هناك العديد من الأعمال الفنية المسروقة التي لم يتم العثور عليها بعد.

تشير التقديرات إلى أن هناك مئات الآلاف من الأعمال الفنية المسروقة لا تزال مفقودة في جميع أنحاء العالم. ويستمر الخبراء والباحثون في العمل بجد لتحديد هذه الأعمال وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين. في المستقبل القريب ، سيتركز الاهتمام على تحليل المزيد من السجلات و الوثائق التي تتعلق بنهب الأعمال الفنية خلال الحرب العالمية الثانية.

من المتوقع أيضًا أن تشهد السنوات القادمة زيادة في التقاضي المتعلق باستعادة الأعمال الفنية. ومع ازدياد الوعي بهذه المسألة، يصبح المزيد من الأفراد والعائلات على استعداد للمطالبة بحقوقهم في استعادة ممتلكاتهم المسروقة.

شاركها.