اخر الاخبار

لماذا توطين الطاقة النووية خيار إستراتيجي للاقتصاد السعودي؟

باتت السعودية على أعتاب توقيع مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن الطاقة النووية السلمية والتكنولوجيا المدنية، وفقا لما أوضحه وزير الطاقة الأمريكي كريس رايت خلال زيارته إلى الرياض.

مذكرة التفاهم المرتقب إعلان تفاصيلها هذا العام، تستند إلى “اتفاقية 123″، المعروفة رسميا باسم اتفاقية التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وهي إطار قانوني تنظمه الفقرة 123 من قانون الطاقة الذرية الأمريكي لعام 1954.

يشمل التعاون بين السعودية والولايات المتحدة أيضا توطين صناعة الطاقة النووية السلمية، بحسب الوزير الأمريكي، فضلا عن استثمارات متبادلة في قطاع الطاقة.

في سبتمبر الماضي، أعلن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، أن المملكة تتجه نحو الاستفادة من الطاقة النووية وتطبيقاتها الإشعاعية للأغراض السلمية، وتواصل تنفيذ مشروعها الوطني للطاقة النووية بجميع مكوناته، ومن ذلك مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في السعودية.

استكملت السعودية بالفعل مقومات الاستعداد الإداري الأساسية المتعلقة بالعمل الرقابي النووي، ومتطلبات تحقيق الالتزامات في اتفاق الضمانات الشاملة، بحسب الأمير عبد العزيز.

التطورات المتلاحقة في مساعي السعودية لدخول النادي النووي السلمي، تميط اللثام عن أهمية كبيرة لهذا النوع من الطاقة. فما هي أهمية الطاقة النووية للاقتصاد السعودي، الذي يعد مصدرا رئيسا للطاقة في العالم؟

خيار إستراتيجي

السعودية من أهم الدول المنتجة والمصدرة للطاقة في العالم، حيث تحتل المرتبة الثانية عالميا بين منتجي النفط بعد الولايات المتحدة، بحصة تبلغ 11%، وهي أكبر مصدّر للخام في العالم، بأكثر من 7 ملايين برميل يوميا.

وتسعى السعودية إلى تنويع مزيجها من صادرات الطاقة، لتعزز بذلك مكانتها كمحرّك رئيس لاقتصاد العالم. ويعد توطين الصناعة النووية أحد الأعمدة الرئيسية لتحقيق أهداف رؤية 2030 في السعودية، بما تمثله هذه الصناعة كخيار إستراتيجي داعم للأمن الاقتصادي والمائي في البلاد.

سيسهم إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية أيضا في توفير جزء من الاستهلاك المحلي من الخام وتوجيهه إلى الأسواق العالمية التي تحتاج إلى الوقود الأحفوري.

وبينما تشمل مذكرة التفاهم بين السعودية والولايات المتحدة نقل تكنولوجيا بناء المفاعلات النووية، فإن التوجه السعودي نحو الطاقة النووية سيسهم أيضا في التوسع في تحلية مياه البحر، وما يترتب على ذلك من توسع في النمو عبر تعزيز القطاعات المرتبطة بالمياه، مثل الزراعة.

يرى نايف الدندني، الخبير المتخصص في شؤون الطاقة، أن “أكبر المنافع الاقتصادية سيكون تحرير براميل النفط لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه”.

وقال لـ “الاقتصادية”: “ما زالت السعودية تحرق الكثير من النفط لإنتاج الكهرباء. ستصدر هذه البراميل بسعر مرتفع، وتدخل إلى الأسواق العالمية، وبالتالي ستحقق عوائد نفطية تساعد على تنويع الاقتصاد، إضافة إلى هذا، فإن الطاقة النووية صناعة كاملة ونظام بيئي متكامل، يشمل سلاسل توريد، ويخلق صناعات جديدة”.

تنمية مستدامة

إلى جانب أهميتها كمصدر لتوليد الكهرباء للاستخدامات الصناعية والمنزلية ومحطات تحلية المياه، فإن الطاقة النووية تمثل خيارا إستراتيجيا للسعودية في سعيها نحو تحقيق التنمية المستدامة عبر الإسهام في تقليل انبعاثات الكربون، وفقا للدكتور حسين باعقيل، الأستاذ المساعد والخبير المتخصص في شؤون الطاقة المستدامة.

وقال باعقيل لـ “الاقتصادية”: “سيُدرج إنتاج الطاقة النووية كجزء أساسي من المزيج السعودي للطاقة النظيفة، الذي يشمل أيضا الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. هذه المبادرات، التي تُنفذ في مشاريع مثل نيوم ومشاريع الطاقة المتجددة في عدة مدن، تهدف إلى تعزيز قدرة المملكة على توليد الطاقة بشكل مستدام”.

علاوة على ذلك، فإن تطوير هذا القطاع “سيفتح مجالات جديدة للاستثمار، ويعزز جهود تنويع الاقتصاد السعودي بعيدا عن الاعتماد التقليدي على النفط” بحسب باعقيل.

بدأت أولى محطات الطاقة النووية المخصصة للأغراض التجارية في العالم عملياتها خلال خمسينيات القرن الماضي، وتوفر الطاقة النووية حاليا نحو 9% من احتياجات العالم للكهرباء. كما تمثل الطاقة النووية نحو 25% في حجم إنتاج الكهرباء المنخفضة الكربون عالميا؛ وهي من ثم، ثاني أكبر مصدر عالمي للطاقة المنخفضة الكربون، وفقا للجمعية النووية العالمية.

تتجاوز استخدامات الطاقة النووية للأغراض السلمية حدود إنتاج الكهرباء، حيث لها إسهامات أيضا في السيطرة على انتشار الأمراض والتشخيص والعلاج، فضلا عن توفير الطاقة لجميع بعثات استكشاف الفضاء الطموح.

مساع دؤوبة

انخرطت السعودية والولايات المتحدة من قبل في مفاوضات طويلة بشأن نقل التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، وتحدثت تقارير صحافية دولية عن ربط الأمر بتطبيع للعلاقات مع إسرائيل. لكن هذه المسألة ابتعد الوزير الأمريكي عن إثارتها خلال زيارته للسعودية.

شهدت السنوات الماضية تعاونا وثيقا مع الصين بشأن استكشاف موارد اليوارنيوم اللازمة لإنتاج الطاقة النووية، وتحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” من قبل عن مساع سعودية لإبرام اتفاق مع بكين يسمح بإمداد الرياض بخبرات إنتاج الطاقة النووية.

وكان ألكسندر فورونكوف، نائب الرئيس الإقليمي والرئيس التنفيذي لشركة “روساتوم” الروسية لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قال أواخر العام الماضي إن السعودية تدرس التقنيات التي يمكن استخدامها لإنشاء أول محطة للطاقة النووية، وأشار حينها إلى أن “روساتوم” الروسية أحد المشاركين في هذه العملية.

قال فورونكوف وقتها في تصريح خاص لـ”الاقتصادية” إن التعاون قوي مع السعودية في مجال الطاقة النووية على أساس اتفاقية حكومية تم توقيعها في 2015.

وقالت وزارة الطاقة الأمريكية عبر حسابها على منصة “إكس” عقب زيارة الوزير الأمريكي للسعودية إن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والوزير رايت يركزان على “تعزيز العلاقات المهمة مع الشركاء في الشرق الأوسط، لتشجيع الاستثمار في أمريكا وتوسيع التعاون بشأن الابتكار التكنولوجي، وإطلاق عنان الطاقة للجميع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى