في عصر يتسارع فيه النمو بفضل الذكاء الاصطناعي، بدأت قيادات في قطاعات الأعمال المختلفة في صياغة خطوط أعمال جديدة باعتبارها بمثابة إعادة إطلاق جذرية لشركاتهم. يشمل ذلك إعادة تقييم شاملة للنماذج التشغيلية، والاستثمار في تقنيات جديدة، وتغيير استراتيجيات التسويق، وذلك بهدف الاستفادة القصوى من الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي والبقاء في صدارة المنافسة. وقد لوحظ هذا التوجه بشكل خاص في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأشهر الستة الماضية، مع تزايد الضغوط لتبني حلول الذكاء الاصطناعي.
هذه “العمليات إعادة الإطلاق” لا تقتصر على الشركات التكنولوجية التقليدية، بل تمتد لتشمل قطاعات مثل الخدمات المالية، والرعاية الصحية، والتصنيع، والبيع بالتجزئة. تسعى الشركات إلى دمج الذكاء الاصطناعي في صميم عملياتها التجارية، بدلاً من اعتباره مجرد أداة إضافية. ويؤدي ذلك إلى تغييرات عميقة في كيفية عمل هذه الشركات وكيفية تفاعلها مع العملاء.
لماذا تشهد الشركات هذه “العمليات إعادة الإطلاق” في ظل الذكاء الاصطناعي؟
يأتي هذا التحول مدفوعًا بعدة عوامل رئيسية. أولاً، القدرة المتزايدة للذكاء الاصطناعي على أتمتة المهام المتكررة، مما يقلل التكاليف ويزيد الكفاءة. ثانياً، قدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات هائلة من البيانات، مما يوفر رؤى جديدة حول سلوك العملاء واتجاهات السوق. ثالثاً، التطور السريع في نماذج اللغات الكبيرة وغيرها من التقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي.
تأثير الأتمتة على القوى العاملة
الأتمتة، وهي أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي الرئيسية، لها تأثير كبير على القوى العاملة. تتوقع بعض الدراسات تغيرات كبيرة في هيكل الوظائف، مع زيادة الطلب على المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات. بينما تشير تقارير أخرى إلى أن الذكاء الاصطناعي سيخلق وظائف جديدة، على الرغم من أنها قد تتطلب مجموعات مهارات مختلفة.
تحسين تجربة العملاء
تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجربة العملاء، وتقديم توصيات مخصصة، وتحسين خدمة العملاء من خلال روبوتات الدردشة والمساعدين الافتراضيين. يهدف هذا إلى زيادة رضا العملاء وولائهم. يتعلق هذا أيضًا بمفهوم تحول رقمي أوسع نطاقًا، حيث تعيد الشركات تعريف عملياتها لتلبية احتياجات العصر الحديث.
بالإضافة إلى ذلك، يمثل ظهور منافسين جدد يعتمدون بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي ضغطًا كبيرًا على الشركات القائمة. هذه الشركات الناشئة غالباً ما تكون أكثر مرونة وقدرة على تبني التقنيات الجديدة بسرعة. لذلك، فإن الشركات الكبيرة مجبرة على التكيف من أجل الحفاظ على حصتها في السوق.
كيف تتم هذه “العمليات إعادة الإطلاق”؟
تتضمن “العمليات إعادة الإطلاق” عادةً سلسلة من الخطوات الاستراتيجية. أولاً، إجراء تقييم شامل لقدرات الشركة الحالية ونقاط الضعف. ثم، تحديد المجالات التي يمكن فيها تطبيق الذكاء الاصطناعي لتحقيق أكبر قدر من الفائدة. بعد ذلك، الاستثمار في البنية التحتية اللازمة، مثل الحوسبة السحابية وتخزين البيانات، وكذلك في تدريب الموظفين على استخدام التقنيات الجديدة.
ومع ذلك، لا يقتصر الأمر على الجانب التكنولوجي. يتطلب النجاح أيضًا تغييرًا في ثقافة الشركة، وتشجيع التجريب والابتكار. يجب أن تكون الشركات مستعدة لتحمل المخاطر وعدم الخوف من الفشل. وهذا يتطلب قيادة قوية ورؤية واضحة.
ومن الأمثلة على ذلك، شركة “أدوبي” (Adobe) التي قامت بتحويل تركيزها من بيع البرامج إلى تقديم خدمات سحابية تعتمد على الذكاء الاصطناعي. كما أن شركة “مايكروسوفت” (Microsoft) تستثمر بشكل كبير في دمج الذكاء الاصطناعي في جميع منتجاتها، بدءًا من “أوفيس” (Office) وصولاً إلى “أزور” (Azure). يشير تحليل لشركة “جارتنر” (Gartner) إلى أن الشركات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي بشكل استباقي تحقق نموًا أسرع وأرباحًا أعلى.
تحديات تنفيذ الذكاء الاصطناعي
على الرغم من المزايا المحتملة، فإن تنفيذ الذكاء الاصطناعي لا يخلو من التحديات. من بين هذه التحديات، الحصول على البيانات عالية الجودة، وضمان خصوصية البيانات وأمنها، والتعامل مع التحيزات المحتملة في الخوارزميات. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من الصعب العثور على المواهب المؤهلة في مجال الذكاء الاصطناعي. ويعتبر تطوير المهارات ضروريًا لمواكبة التغيير.
In contrast, بعض الشركات تواجه مقاومة من الموظفين الذين يخشون فقدان وظائفهم بسبب الأتمتة. للتغلب على هذه المقاومة، يجب على الشركات التواصل بشفافية مع موظفيها وشرح كيف سيؤثر الذكاء الاصطناعي على دورهم. Additionally, يجب عليها توفير فرص التدريب والتطوير لمساعدة الموظفين على اكتساب المهارات اللازمة للنجاح في العصر الجديد.
مستقبل الشركات في ظل الذكاء الاصطناعي
من المتوقع أن يستمر زخم “عمليات إعادة الإطلاق” هذه في السنوات القادمة، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر قوة وتوفرًا. ستستمر الشركات في استكشاف طرق جديدة لدمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، وستظهر نماذج أعمال جديدة تمامًا. وتشير التوقعات إلى أن الاستثمار العالمي في الذكاء الاصطناعي سيصل إلى تريليونات الدولارات بحلول عام 2030.
الخطوة التالية المتوقعة هي زيادة التركيز على الذكاء الاصطناعي المسؤول والأخلاقي، مع تطوير أطر تنظيمية لضمان استخدام هذه التكنولوجيا بطريقة آمنة وعادلة. يجري حاليًا نقاش واسع النطاق في العديد من الدول حول كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي. ويبقى من غير الواضح كيف ستتطور هذه اللوائح في المستقبل، ولكن من المؤكد أنها ستشكل مستقبل الذكاء الاصطناعي في الشركات.
