كوبي كينانجان.. حين يصبح كشك القهوة نموذجا اقتصاديا بالمليارات

“بدل الاستثمار في المكان فلنستثمر في جودة المنتج” كانت تلك فكرة الإندونيسي إدوارد تيرتاناتا (34 عاما) لصديقه جيمس برانانتو، وهما يشربان القهوة في فرع لأحد المقاهي المشهورة، حيث كانا بصدد التحضير لإطلاق مشروع لبيع القهوة في العاصمة جاكرتا، بالرغم من كون السوق هناك مشبعة بماركات القهوة العالمية.
قرر الرجلان افتتاح أول كشك للقهوة، عام 2017، يحمل اسم “كوبي كينانجان” (Kopi Kenangan) ومعناها باللغة المحلية “ذكريات القهوة”، برأسمال مشترك لا يتعدى 15 ألف دولار، في ثاني مغامرة استثمارية لتيرتاناتا، بعد فشل سلسلة محلات شاي باسم “لويس آند كارول” (Lewis & Carroll) أطلقها عام 2015.
إدوارد شغوف بالبيع والشراء، وله موهبة التجارة منذ الصغر، فقد كان يذخر مصروفه اليومي لاستثماره في شراء منتجات بالجملة، يقوم ببيعها لزملائه في المدرسة بأسعار مضاعفة. أهلته تلك الملكة، بعد افتتاح الفرع الخامس، من إدراك أن مشروع الشاي مقبل على الخسارة، وغير مربح كما كان يعتقد.
وقع الاختيار على القهوة بديلا عن الشاي، بعدما لاحظ الشابان أن أسعار الماركات العالمية من القهوة في السوق المحلية مرتفعة جدا مقارنة بقدرة المواطن الإندونيسي، فكوب واحد من ستاربكس مثلا يكلف 30% من متوسط دخل الفرد اليومي.
اكتشف إدوار الثغرة في السوق الإندونيسية، فسعى إلى استثمارها بعناية فائقة، من خلال تقديم أصناف من المشروبات عالية الجودة بأسعار مقبولة، حتى يتمكن من سحب البساط من المقاهي التي تغالي في السعر. ونجح بذلك في جعل “كوبي كينانجان” العلامة التجارية الأكثر شهرة في إندونيسيا، وفق استطلاع رأي لشركة YouGov المختصة في أبحاث السوق عام 2024.
استندت “كوبي كينانجان” إلى نموذج اقتصادي ذكي، يقوم على ثلاث ركائز أساسية: اعتماد نموذج الطلبات السريعة، أي الطلب والانطلاق (Grad & Go)، وتكثيف استخدام التكنولوجيا، ونهج محلي خاص بكل سوق، أي مراعاة الذوق المحلي، ما سمح له بمنافسة العلامات المشهورة التي تقدم مذاقا ثابتا لا يتغير.
راهنت العلامة التجارية على نهج التسعير الإستراتيجي، باستغلال تكاليف الإيجار المنخفضة حيث أغلب المحلات عبارة عن مواقع للوجبات السريعة. فمثلا سعر المشروب الأكثر مبيعا لدى كوبي كينانجان؛ قهوة خفيف سكر النخيل، يكلف فقط 22 ألف روبية (1.4 دولار)؛ أي نصف سعر كوب قهوة ممتازة التي تقدر بنحو 40 ألف روبية (2.6 دولار).
سمح هذا النموذج للعلامة بالتوسع السريع، فخلال عامين وصلت إلى 200 فرع في 10 مدن، واستمر النمو بشكل متصاعد، حتى فاقت 1000 محل في 60 مدنية إندونيسية، ما عزز مكانة “ذكريات القهوة” باعتبارها واحدة من أسرع الشركات نموا في المنطقة.
فاقت مبيعات الشركة 6 ملايين كوب من القهوة شهريا، وحققت عام 2024 إيرادات بقيمة 140 مليون دولار، بزيادة قدرها 23% مقارنة بالعام السابق. ويتوقع أن يضاعف الرقم 3 مرات، ليصل إلى 430 مليون دولار بحلول عام 2028.
توسع العلامة خارج البلاد بافتتاح سلسلة مقاهي في ماليزيا وسنغافورة الفلبين، دون التفريط في ركائزها، فالنهكة في فرع الشركة في سنغافورة مثلا تختلف عن تلك في إندونيسيا. وقبل اقتحام أي سوق جديدة، تقوم الشركة بجمع بيانات دقيقة عن حلاوة وكثافة القهوة، قصد فهم متطلبات وأذواق السوق المحلية.
يخطط تيرتانانا لمزيد من التوسع، حيث يعمل على بلوغ 3000 متجر بحلول عام 2028، في سياق طموحه أن تصبح “كوبي كينانجان” علامة القهوة الأكبر في جنوب شرق آسيا، بعدما تجاوزت قيمتها السوقية مليار دولار في غضون 7 سنوات فقط.
في قصة إدوارد أكثر من إشارة لكل رائد أعمال، أهمها خرافة السوق المشعبة، فثمة دائما هامش للابتكار واستغلال الفجوة لصناعة التميز والابتكار، من خلال صنع القيمة المضافة من أجل المنافسة وتحقيق الريادة. كما تثبت أن فشل مشروع ما قد يكون لدواعي موضوعية أكثر منه لأسباب ذاتية.