تحقق سوق القهوة في السعودية – التي قدرت قيمتها في 2024 بين 5 و7 مليارات ريال – نموا مستمرا بوتيرة تتجاوز 5% سنويا، في حين يستهلك السعوديون نحو 36 مليون كوب وفنجان يوميا، وفق ما ذكره لـ”الاقتصادية” أحمد الكاشقري – الرئيس التنفيذي لجمعية ملاك المطاعم والمقاهي.
والقهوة التي يبلغ حجم سوقها العالمية 270 مليار دولار حتى وإن كانت مجرد بضاعة يتداولها الناس للسيطرة على جنوح المزاج، والشعور بشيء من التصالح مع الذات، إلا أن انتشارها الكبير يوحي بجدوى الاستثمار في تحسين أمزجة الناس، في ظل صخب الحياة الكبير، ولأجل احتسائها أُقيمت المقاهي، تلك الردهات التي كانت منذ الأزل، وإلى يومنا هذا مقصدا للطامحين في ارتشاف كوب قهوة قادر على المضي بالمزاج إلى فضاءات أكثر اتساعا، وإلى حالة من استرداد لحظات التأمل والتفكير.
وقد أسرت فناجين القهوة عقول المفكرين، وشكلت كلمات الأدباء، ومزاج السياسيين، ولأجلها أنشئت ردهات في الحارات العتيقة، تُسمى المقاهي، تلك المقاهي التي شكلت مكانا للتواصل الاجتماعي في زمن ما، وأوحت بأفكار وقصص أدبية خلدها التاريخ.
وتشير الأرقام اليوم إلى أن حجم سوق القهوة عالميا يشكل رقما كبيرا، فأغلب سكان العالم يتشاركون اليوم احتساء القهوة سعيا للحظات ترتاح بها النفس وتستأنس الروح.
المفارقة العجيبة أن أول مقهى في التاريخ كان في بلد إسلامي، ورغم أن القهوة تعد سببا للراحة وتحسن الحالة النفسية، إلا أنها في حقبة تاريخية كانت سببا في غضب حكام دول مسلمة، ما أدى إلى تحريمها وإغلاق المقاهي، بينما عمد ملك بريطانيا في القرن الثامن إلى منع القهوة وإغلاق المقاهي، فلماذا فعل ذلك؟
المقاهي في التاريخ
تؤكد المصادر التاريخية أن أول مقهى في التاريخ كان في بلاد مسلمة، ففي عام 1475 فتح مقهى «كيفان هان» أبوابه في إسطنبول، حيث كانت القهوة التركية في ذلك الزمن سوداء غير مصفاة، وظلت محتفظة بلونها إلى يومنا هذا.
بينما يعود تاريخ أول مقهى في أوروبا إلى عام 1529 في مدينة فيينا، بعد دخول جزء من الجيش التركي إلى هناك، ليكون سببا في دخول القهوة السوداء إلى القارة، وفي تلك الأثناء بدأت مرحلة تصفية القهوة السوداء وخلطها بالحليب والسكر. لكن عام 1652 شهد افتتاح أول مقهى في لندن.
ورغم أن أول مقهى ربما كان في إسطنبول، إلا أن أول من حارب المقاهي هو السلطان مراد الرابع عام 1633، حيث اعتبرها أماكن للفساد، كما حرم القهوة كذلك، وكانت المقاهي مكانا لتداول السياسة في مراحل مختلفة، وهو ما أزعج السياسيين في ذلك الزمان، فقد سعى ملك بريطانيا في القرن الثامن إلى منع القهوة وإغلاق المقاهي لمنع التعاطي السياسي بين مرتاديها من النخب.
وكانت مصر أكثر الدول العربية تأثرا بتمدد القهوة السوداء ومقاهيها، حيث شهدت القاهرة عام 1797 انتشار المقاهي، التي كان أكثرها شهرة مقهى الفيشاوي، حيث كان المقهى ملتقى الأدباء والمفكرين، كنجيب محفوظ الذي كتب كثيرا من رواياته في المقهى الشهير.
ورغم التجربة المصرية، إلا أن المقاهي لم تكن شيئا مذكورا في العالم العربي، سوى تجارب بسيطة لم تصمد كثيرا.
الرأسمالية تدخل على الخط
لكن تغييرا كبيرا طرأ على القهوة السواء، حيث أدى التفكير الرأسمالي الأمريكي إلى تغيير جوهري في مسيرة القهوة، فقد عملت الشركات الكبرى على إنتاج القهوة سريعة التحضير، التي جعلت من السهل تناول القهوة في المقهى أو البيت، وأصبحت القهوة علامات تجارية شهيرة.
وفي ظل هذا التغيير، بدأت القهوة تتزين بالعلامات التجارية العالمية، وأصبحت المقاهي تخلع هندامها العتيق، حتى أصبحت كما أنها تبدو مكانا لطبقة النبلاء، وربما هجرها المفكرون مليا، وأصبحت وجهة للهاربين من زحام المدن المكتظة، وأولئك الذين يشتكون من الصداع وسوء المزاج.
وقد أصبحت القهوة في شكلها الحديث مصدر ثراء الأثرياء، وبدأت الشركات العالمية تتنافس بعلاماتها التجارية الشهيرة، حيث تتربع شركة ستاربكس الأمريكية اليوم على عرش شركات القهوة في العالم بإيرادات بلغت 32.3 مليار دولار.
سوق حجمها 270 مليار دولار
وبحسب موقع grandviewresearch.com يُقدر حجم سوق القهوة العالمية بنحو 270 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن يصل إلى 369 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 5.3% من عام 2025 إلى عام 2030.
المقاهي في السعودية
انتعشت المقاهي في السعودية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إلا أنها ليست كالمقاهي الأخرى، إذ أسهم اليمنيون في انتشار مقاهٍ هي أقرب إلى المطاعم، تقدم المأكولات والشيشة والشاي أكثر من القهوة، إلا أن تجارب محدودة قادت إلى مقاهٍ صغيرة لم تأخذ شهرة كافية، حيث يذكر المؤرخون أن مقهى الزهور هو أول مقهى افتتح في العاصمة السعودية الرياض عام 1954.
لكن تغييرات أيديولوجية أسهمت في الحد من انتشار المقاهي في السعودية، حيث شهدت بداية الثمانينيات تغيرات مجتمعية حدت كثيرا من أنماط مختلفة في مظاهر الحياة العامة، ومن ضمنها المقاهي.
ورغم ذلك وفي العقد الأول من الألفية، بدأت مقاهي تقديم الإنترنت تنتشر شيئا فشيئا، ثم تطور الأمر إلى انتشار المقاهي بشكلها العصري في السعودية، مدعومة بتوجهات الأغلبية الشابة في المجتمع السعودي، حيث تمثل نسبة الشباب 70% من السعوديين، الأمر الذي أدى إلى منافسة كبيرة، وانتشار هائل لفروع المقاهي للشركات العالمية والمحلية التي تهيمن على السوق بشكل كبير.
أحمد الكاشقري الرئيس التنفيذي لجمعية ملاك المطاعم والمقاهي أكد أن دور المقاهي قد تصاعد كمراكز للحراك الثقافي والأدبي، وتحول من ملتقيات الشعراء والرواة قديما، إلى الفعاليات والمعارض الأدبية والفنية اليوم.
وأشار إلى أن حجم سوق القهوة في السعودية قُدّر في 2024، بين 5 مليارات و7 مليارات ريال، كما أنه يحقق نموا مستمرا بوتيرة تتجاوز 5 % سنويا، مؤكدا أن قطاع المقاهي يندرج ضمن سوق خدمات الطعام التي بلغت نحو 17 مليار ريال، بنسبة 16% من إجمالي السوق.
وأكد أن الشركة السعودية للقهوة التابعة لصندوق الاستثمارات، تعمل على خطة استثمارية بقيمة تقارب 320 مليون دولار خلال العقد المقبل، مشيرا إلى أن الإنتاج الحالي من القهوة في السعودية يبلغ اليوم نحو 800 طن سنويا، مع خطط لزراعة 5 ملايين شجرة بحلول 2030 لرفع الإنتاج إلى أكثر من 10 آلاف طن.
السعوديون يستهلكون 36 مليون كوب يوميا
وأشار إلى أنه يُقدّر استهلاك القهوة في السعودية بنحو 36.5 مليون كوب أو فنجان يوميا، بناء على استهلاك سنوي يبلغ 80 ألف طن (80 مليار جرام). تم احتساب هذا الرقم بافتراض متوسط 6 جرامات من البن لكل حصة، وهو معدل يوازن بين الفنجان السعودي الصغير والأكواب العالمية مثل الإسبريسو والفلتر.
وكانت وزارة التجارة السعودية أوضحت لـ “الاقتصادية” أن عدد السجلات التجارية لنشاط المقاهي في البلاد (الكوفي شوب) 61 ألف سجل حتى نهاية النصف الأول من عام 2025.
فيما بلغ عدد السجلات التجارية القائمة لنشاط المقاهي الشعبية نحو 27 ألف سجل حتى نهاية النصف الأول من عام 2025.
بارنز ودانكن الأعلى حضورا في السعودية
تتوسع اليوم العلامات التجارية السعودية في مجال المقاهي إقليميا، حيث تنتشر فروعها في بعض دول الخليج وبعض الدول العربية، وتتصدر سلسلة مقاهي “بارنز” قائمة شركات القهوة الأكثر انتشارا في السعودية، حيث تجاوز عدد فروعها 800 فرع على مستوى البلاد في حين تأتي سلسلة “دانكن” في المرتبة الثانية بأكثر من 600 فرع، تليها “ستاربكس” التي تمتلك ما يزيد على 450 فرعا، وفي المركز الرابع، يواصل “كيان كافيه” التوسع بعد أن وصل عدد فروعه إلى أكثر من 270، ثم عنوان القهوة بـ 234 فرعا، فيما يبقي “د. كيف” على حضوره في السوق السعودية بأكثر من 100 فرع.